اخبار بارزةلبنانمباشر

فقدوا أحبتهم بانفجار المرفأ: الحب شفاء المتألّمين

غالبًا، إن سألت أي متحابين عن الذكريات الأولى لعلاقتهما، ستحظى بالإجابات المكرّرة ذاتها؛ كلحظات الاستلطاف، حركة اليدين، بريق العينين، الابتسامة الخجولة، النظرة الأولى واللقاء الأول في مكان ما. ستسمع كلمات الحبّ والودّ ذاتها، وتلتمس أنماط التقارب نفسها. لكنك في لبنان قد تُصدم، بأن ليس جميع قصص الحب ببداياتها الموشاة بالرومانسية المألوفة في كل أنحاء العالم، هي نفسها هنا، في أرض البؤس والموت والأحزان اللامتناهية، فقد تُصادف متحابين جمعتهما الفجيعة والمأساة وقربتهما من بعضهما البعض. وهذا تمامًا ما حصل مع بعض أهالي ضحايا انفجار المرفأ، ويليام نون وماريا فارس، وجيلبرت القرعان وجينيفر شحادة.

العلاج النفسي
في السادسة والدقيقة الثامنة من الرابع من آب عام 2020، فرضت الحياة واقعًا مريرًا على اللبنانيين. فجأةً، ومن دون إنذارٍ، وقعت السماء على الأرض، انفجرت مدينة بيروت بأهلها، حلّ الهلاك على الجميع، انبعث دخان الموت من المرفأ، ابتلع البحر الضحايا، توزعت الأشلاء في الأرض، وتحولت بيروت إلى مدينة منكوبة تفوح منها رائحة الدماء والخراب.

نتيجة هذه الفاجعة، اضطر أهالي ضحايا تفجير المرفأ إلى زيارة المراكز المخصصة للعلاج النفسي، سعيًا منهم للحدّ من آلامهم وأوجاعهم، وتحسين حالتهم النفسية المتدهورة. هناك، داخل غرفة الانتظار، التقى ويليام نون، شقيق الضحية جو نون من فوج الإطفاء، بالشابة ماريا فارس، شقيقة الضحية سحر فارس، وبعد أشهر قليلة، جمعهما الحب وأعلن ارتباطهما رسميًا.

في العاشر من أيلول الجاري، يوم الأحد تحديدًا، ستتجه الأنظار إلى حفل زفافهما، وبالرغم من أن علاقتهما العاطفية قد بدأت منذ عام 2022، إلا أنهما إلتقيا مرارًا خلال جلسات العلاج النفسي وأمام قصرعدل بيروت، وذلك بعد العراقيل التي واجهت ملف التحقيقات وأدت إلى تجميد قضية المرفأ قضائيًا، فاجتمعا مرات عدة خلال الوقفات الاحتجاجية والتحركات أمام قصرعدل بيروت للمطالبة بمعاقبة القتلة، الذين تسببوا بمقتل أخويهما.

متابعة مستمرة
ويليام نون، سبق وأن تعهّد مرارًا بمتابعة قضية شقيقه جو نون حتى الوصول إلى الحقيقة، ومعاقبة الفاعلين. لذلك، قرّر أن يفاجئ عائلته ويزرع الابتسامة على ثغورهم، بعدما ذبلت ملامحهم لسنوات طويلة وصارت باهتة، فاحتفل معهم بخطوبته قبل أيام قليلة من عيد الميلاد، لعلهم يتناسون الحزن قليلًا ويجتمعون مرة أخرى على مائدة الطعام بمناسبة الأعياد المجيدية.

وفي حديث خاص لـ”المدن” أكد نون بأن الكثير من أفراد عائلته تمنعوا عن التجمع مع بعضهما البعض بمناسبة عيد الميلاد بعد موت شقيقه. من أجل ذلك، حاول أن يكون ارتباطه سببًا رئيسيًا لكي تجتمع العائلة مرة أخرى. ونجح في ذلك.

“المأساة هي التي جمعتنا”، بهذه العبارة شرح نون لـ”المدن” علاقته بماريا، معتبرًا أن فاجعة الرابع من آب ساهمت في تكوين هذه العلاقة المتينة، لافتًا إلى أن حالة الراحة والطمأنينة الموجودة بينهما تعود لسبب أساسي وهو تقبل آلام بعضهما بعض ومساندة بعضهما البعض، فهي تعاونه بشكل مستمر في السعي لتحقيق عدالة ضحايا التفجير.

بدورها، شرحت ماريا فارس لـ”المدن” بأن هذه المناسبة كان لها تأثير إيجابي على عائلتها التي تأثرت كثيرًا بفقدان شقيقتها سحر. فالمأساة نفسها أصابت جميع أهالي ضحايا المرفأ، بعد خسارة أولادهم، ولكننا تعاهدنا وعائلة نون على متابعة هذه القضية حتى الرمق الأخير.

المعاناة المتشابهة
في المقلب الآخر، وبعد عام كامل قضاه داخل غرفته وحيدًا، محاولًا تجاوز فاجعة موت خطيبته الضحية سحر فارس من فوج الإطفاء، وبعد 3 أعوام من المعاناة الطويلة التي لم تنته بعد، أعلن الشاب جيلبرت القرعان منذ أيام قليلة، عن ارتباطه رسميًا بالشابة جينيفر شحادة.

وفي التفاصيل، فإن فاجعة الموت كانت سببًا أساسيًا لبداية العلاقة العاطفية بينهما. وبالرغم من فقدانه لخطيبته سحر، إلا أن الشابة شحادة واجهت بعض الظروف المشابهة تمامًا، إذ خسرت عام 2021 شريك حياتها مروان كفوري، بعدما دهسته شاحنة كبيرة وأدت إلى مقتله.

ففي السادس من حزيران عام 2021، كان من المفترض أن يحتفل جيلبرت القرعان وسحر فارس بزفافهما، إلا أن للموت كلمة أخرى، فقضت عروسه في تفجير المرفأ خلال تأدية مهامها في فوج الإطفاء، حين كانت على بعد أمتار قليلة من العنبر رقم 12 التي توجهت إليه مع فريقها لإطفائه.

المؤكد أن القرعان لم يتجاوز هذه التفاصيل، ولا يزال يعاني من فقدانها، فلجأ للعلاج النفسي ولأدوية الأعصاب والقلب نتيجة تردي حالته النفسية منذ عام 2020، وترك منزله الذي كان في صدد تجهيزه للمكوث فيه بعد زواجه في منطقة ذوق مصبح، ويقيم حاليًا مع عائلته في منطقة عوكر. وفي عام 2022، توطدت العلاقة مع جينيفر، التي تأثرت بموت شريكها أيضًا، فتعاونا على مواساة بعضهما البعض لتخطي هذه الآلام.

وفي حديثه مع “المدن” يشرح القرعان طبيعة علاقته الجديدة، مؤكدًا بأن أركانها الأساسية هي احترام خصوصية الآخر، وتقدير المشاعر التي لا تزال موجودة للضحايا، خصوصًا أن صورة سحر مطبوعة على يده، كما أنه يحتفظ بخاتم خطوبتهما في رقبته. ويؤكد بأن آلام المرء لا تنتهي ولا تفارقه بسهولة، ولكن الحياة تعني الاستمرار، وتجاوز الفصول السوداء التي فرضت عليه منذ الرابع من آب.

من البديهي القول اليوم بأن أهالي ضحايا المرفأ يستحقون “خاتمة أحزان” وطمأنينة بعد معاناتهم الطويلة.. والعدالة في نهاية المطاف.

المدن

Related Articles