الرواية الكاملة لترسيم الحدود البرّية… والشروط المتبادلة
كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
يوم أنجز الترسيم البحري في تشرين الأول من العام الماضي، وفي رسالة التهنئة الأميركية للبنان ورد أنّ العمل سيباشر مع الأمم المتحدة على الترسيم البري، لكن لبنان فضّل إزالتها واقتصار التهنئة على الترسيم البحري. وبعد مضي أقل من عام عاود لبنان البحث في ترسيم الحدود حيث تمّ الاتفاق على توجّه الموفد الأميركي آموس هوكشتاين إلى إسرائيل لاستمزاج رأيها وإبلاغه إلى الجانب اللبناني.
أفضى التوتر على جبهة الحدود الجنوبية وتقاطع المصالح اللبنانية – الأميركية – الإسرائيلية إلى فتح ملف ترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل مجدداً. وفي جلسة تقييم ديبلوماسية واستعراض ما سيحقّقه الترسيم، كانت الخلاصة أنّ الخطوة ستكون ورقة رابحة لأميركا ورئيسها الذي لم يشهد عهده أي انجاز باستثناء ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، وإنجازها سيخفف وتيرة التوتر على الحدود بين اسرائيل و»حزب الله».
من حيث المبدأ أبلغ لبنان استعداده لترسيم كاملٍ على طول الخط الأزرق، واقترح تولي هوكشتاين المهمة بناء على انجازه السابق بترسيم الحدود البحرية. تحمّست أميركا وباشرت «اليونيفيل» التحضيرات، أمّا إسرائيل فلم تعلن موافقتها بعد في انتظار ما سيحمله الموفد الأميركي. «حزب الله» المواكب للخطوة لم يمانع في الترسيم، وإن اشترط إعادة الجزء الشمالي من الغجر في المقابل.
بدأ الحراك الديبلوماسي بملف الترسيم البري الأسبوع الماضي خلال اجتماع قائد قوات «اليونيفيل» العاملة في جنوب لبنان الجنرال أرولدو لازارو مع المسؤولين اللبنانيين، ثم في اجتماع ثانٍ هذا الأسبوع تطرق إلى مسألة الخروق الإسرائيلية في الجزء الشمالي من بلدة الغجر المعترف بلبنانيتها في دوائر الأمم المتحدة، ومدى استعداد لبنان للشروع بترسيم الحدود بما يؤمّن وقف اسرائيل الإجراءات التي تتخذها في الجزء الشمالي من الغجر اللبنانية. لم يكن «حزب الله» بعيداً عن تفاصيل البحث ولم يمانع في الخطوة.
ونتيجة المباحثات استقر الرأي على مفاتحة السفيرة الأميركية دوروثي شيا بالموضوع، لأنّ إسرائيل إن وافقت فلن تمنح ورقة التفاوض لقوات الطوارئ بقدر ما يهمها الجانب الأميركي الذي سبق له أن أثار الموضوع مع لبنان في آذار الماضي، وقدم عرضاً لقائد الجيش العماد جوزاف عون حمله إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ثم أرسل من يفاتح «حزب الله» في شأنه قبل أن يطوى الملف مجدداً.
لمس لبنان إهتماماً من السفيرة الأميركية التي اعتبرت أنّ حدثاً كهذا سيصب في مصلحة اسرائيل ويمنع الإحتكاك مع «حزب الله»، خصوصاً أنّها سبق ورسّمت حدودها مع مصر والأردن وبقي لبنان عالقاً. ومن شأن الترسيم أن يسحب فتيل التوتر المتواصل على الحدود الجنوبية.
وطلبت اسرائيل عبر »اليونيفيل» إزالة الخيمتين اللتين نصبهما «حزب الله» في مزارع شبعا المحتلة، فاشترط لبنان انسحاب إسرائيل من شمال الغجر ووقف أعمال إنشاء الجدار الذي تسعى اسرائيل من خلاله إلى إحكام سيطرتها على البلدة وعزلها، خصوصاً أنها تخطّت مساحة 30 متراً لجهة الأراضي اللبنانية. سلّمت «اليونيفيل» العرض إلى اسرائيل وصدر تصريح عن أحد قادتها يعلن مفاتحتهم بالأمر. قبل أن تعلن واشنطن تكليف الموفد الأميركي آموس هوكشتاين بالمهمة ومباشرته الإتصالات اللازمة.
نقاط الترسيم والعقبات
أولى العقبات هي أنّ لبنان اشترط الترسيم انطلاقاً من خط الهدنة، بينما تريده اسرائيل انطلاقاً من الخط الأزرق، أما العقبة الثانية أو النقطة الجوهرية في الخلاف فهي تلك المتعلقة بالنقطة B1 التي ترفض إسرائيل الإنسحاب منها لكونها نقطة مشرفة وكاشفة.
وخلال المباحثات الديبلوماسية، وفي ضوء التدقيق الذي أجرته قوات «اليونيفيل» تبيّن أنّ الخروق الإسرائيلية تراجعت من 18 نقطة إلى 13، ثم إلى سبع نقاط. تريد اسرائيل التفاوض على أساس الخط الأزرق وهو ما يرفضه لبنان متمسكاً بالترسيم على أساس خط الهدنة. وسيشمل الترسيم النقطة B1 إلى النقاط السبع من دون مزارع شبعا التي تبعد عن الخط الأزرق. على أنّ أهم نقطة مختلف عليها بين الطرفين هي النقطة B1، وهي الأصعب. واذا كان التفاوض على حصول لبنان على مساحات من الأراضي بدلاً من تلك التي تحتلها إسرائيل فلن يكون من السهل تنازلها عن النقطة المشار اليها بالنظر الى موقعها الحساس وأهميتها الجغرافية بالنسبة اليها.
واذا كان هوكشتاين هو الذي كلّفته أميركا بالملف، فإنّ لبنان لم يحدّد الجهة المعنية بمتابعة الملف بعد، خاصة اذا صودفت زيارة هوكشتاين مع سفر وزير الخارجية عبدالله بو حبيب على رأس وفد لمواكبة جلسة مجلس الأمن المقرر انعقادها لإصدار قرار التمديد لمهمات «اليونيفيل» سنة اضافية، وإن كان وزير الخارجية ومن موقعه يتابع الملف مع الجهات الديبلوماسية، وهو كان اشترط انسحاباً اسرائيلياً من الغجر مقابل إزالة الخيمتين المنصوبتين على أرض لبنانية تحتلها اسرائيل في مزارع شبعا، لكن المباحثات عادت ورست على بدء مفاوضات الترسيم بإشراف أميركي وتحت خيمة قوات «اليونيفيل» العاملة في جنوب لبنان.
مسار طويل بدأ، سينطلق من النقاط المتفق عليها وتأجيل نقاط الخلاف في مسعى لتعجيل الخطوة الهادفة إلى نزع فتيل التفجير من الحدود.