كتب نذير رضا في “الشرق الأوسط”:
طوّق الجيش اللبناني “مشروع فتنة طائفية” بتدخله إثر مقتل شخصين في منطقة القرنة السوداء، في حين كثّفت القيادات السياسية والدينية اتصالاتها لتطويق تداعيات الحادث، وطالبت الجيش والأجهزة الأمنية والقضائية بـ«تشديد الإجراءات لتجنب انزلاق البلاد إلى فتنة طائفية».
وقُتل الشاب هيثم طوق السبت، بطلق ناري في منطقة تشهد خلافات بين مزارعين من مدينة بشري، التي تسكنها غالبية مسيحية، وبقاعصفرين التي تسكنها غالبية من المسلمين، قبل أن يعلن عن مقتل آخر هو مالك طوق بالرصاص أيضاً؛ مما رفع حالة التوتر في المنطقة المختلطة طائفياً، قبل أن يدفع الجيش اللبناني بتعزيزات، ويستخدم سلاح الجو بحثاً عن المتورطين، علماً أن المنطقة تشهد نزاعات محدودة بين مزارعين على خلفية الحصول على مياه الري.
وأفادت قيادة الجيش اللبناني في بيان صادر عن مديرية التوجيه، بتعرّض أحد المواطنين لإطلاق نار في منطقة القرنة السوداء؛ ما أدى إلى مقتله، كما قُتل لاحقاً مواطن آخر في المنطقة عينها، لافتة إلى أن الجيش «نفّذ انتشاراً في المنطقة ويعمل على متابعة الموضوع لكشف ملابساته، كما أوقف عدداً من الأشخاص وضبط أسلحة حربية وكمية من الذخائر».
وأضافت في البيان: «لمّا كانت قيادة الجيش قد حذّرت في بيان سابق بتاريخ 12 حزيران المواطنين من الاقتراب من منطقة التدريب العسكرية في القرنة السوداء، تعيد التشديد على عدم اقتراب المواطنين كافة من هذه المنطقة تحت طائلة المسؤولية وحفاظاً على سلامتهم ومنعاً لوقوع حوادث مماثلة».
نزاعٌ متكرّر
تُعدّ القرنة السوداء أعلى مرتفع جبلي في لبنان، وهي منطقة شبه خالية من السكان وتقع في منطقة مختلطة بين سكان مسلمين ومسيحيين. وفي فترة الصيف، ينشط المزارعون على ضفتين متقابلتين من المنطقة، ينحدرون من منطقتي بشري وبقاعصفرين.
وقالت مصادر أمنية: إن الإشكال ليس جديداً، ويعود إلى خلاف عقاري يمتد إلى نزاع على مياه الري في الصيف التي تُروى منها مزروعات، ويُستفاد منها لسقي المواشي، لافتة إلى أن النزاع العقاري لم يُبتّ في المحكمة العقارية وبقي معلقاً. ولفتت المصادر إلى إشكال شبيه وقع في الأسبوع الأول من الشهر الماضي، أدى إلى مقتل بعض رؤوس الماشية بإطلاق نار؛ مما دفع الجيش إلى إنشاء منطقة عازلة في المنطقة المتنازع عليها، وحوّلها معسكر تدريب له؛ بهدف وضع حدّ للخلافات بين الطرفين التي غالباً ما تتحول نزاعات مسلحة بين الفلاحين.
وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط»: إن الخلاف انزلق السبت إلى إطلاق نار بين الطرفين، وأدى إلى مقتل هيثم طوق، رافضة الجزم بأن يكون قُتل برصاص قناصة، كما أفادت وسائل إعلام محلية، في «انتظار التحقيقات الفنية».
ولاحقاً، تدحرجت الأمور وتوسع الاشتباك بين الطرفين؛ مما دفع الجيش للنزول إلى الميدان بقوة، بعد اتصال بين النائبة ستريدا جعجع وقائد الجيش العماد جوزيف عون، حيث انتشر لواء كامل للجيش، فضلاً عن قوة النخبة المقاتلة في الجيش (فوج المغاوير)، وسُجل إطلاق نار أدى إلى مقتل شخص آخر هو مالك طوق، من دون تحديد الجهة التي تسببت بمقتله، بانتظار التحقيقات أيضاً. ولفتت المصادر إلى توقيف 19 شخصاً، هم 13 شخصاً من سكان الضنية، و6 من سكان بشري؛ وذلك بغرض التحقيق وجلاء الملابسات، وهم شهود قابلون للزيادة، مشيرة إلى أن صعوبة التحقيق تنطلق من كونها تعتمد على روايات الشهود وتحليلها وتقاطعها للتوصل إلى المتسبب بالإشكال وتقديمه للقضاء لمحاكمته.
إجراءات أمنية مشددة
يعالج الجيش الإشكال عبر آليتين، أولهما التدابير الأمنية والعسكرية، والأخرى جمع السكان من الطرفين لتذليل المشكلة ومنع تكرارها، وهي مهمة مستمرة بدأت في السابق، وتُطبّق في أكثر من مكان في لبنان، وتسعى لإنهاء مسببات النزاعات.
وأكدت المصادر الأمنية أن الجيش اللبناني بانتشاره وإجراءاته المكثفة «منع اقتتالاً طائفياً، ووضع حداً لتطور الأمور، ومنع الفتنة»، مشددة على أن التعليمات من قيادة الجيش واضحة، وتشدد على أنه «لا تهاون مع المخلين بالأمن، ومصرّون على حماية الاستقرار»، مشددة على أن قائد الجيش «مصرّ على منع الفتنة».
استنفارٌ سياسي
ورفعت الحادثة درجة الاستنفار السياسي في البلاد، حيث تعهد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، في اتصال مع النائب ستريدا جعجع، أنه سيتابع شخصياً مسار التحقيقات للتوصل إلى توقيف المجرمين وسوقهم إلى العدالة.
وكان رئيس مجلس النواب نبيه برّي أجرى اتصالاً بالنائب فيصل كرامي دعاه فيه إلى «توخّي الحكمة في التعامل مع الحادثة الأليمة»، كما دعا من خلاله «أهالي بقاعصفرين والضنية إلى عدم الانجرار وراء الأحكام المسبقة والشائعات بانتظار جلاء الحقيقة الكاملة».