كتبت راكيل عتيّق في “نداء الوطن”:
بمعزل عن «الفشل الكبير» للسلطة السياسية في التعامل مع النزوح السوري بسبب تضارب مصالح مكوناتها، إلّا أنّ «النقزة» من عمل مفوضية اللاجئين في ملف النزوح ولّدتها تراكمات. جميع الوزراء الذين تعاقبوا على الوزارات المعنية بموضوع النزوح، منذ عام 2011، ومن مختلف الانتماءات السياسية، لمسوا حجم إيلاء المنظمات الأفضلية لمصالحها وبعدها مصالح اللاجئين أو النازحين على مصلحة اللبنانيين، من دون أي اهتمام جدّي بالأثقال الملقاة على كاهل هذا البلد «المُتعب» والكلفة التي ترتّبها هذه الأثقال على موارده وتركيبته وديموغرافيته وبنيته التحتية. ويُخبر وزير سابق أنّ هذا التعامل» الأممي» مع لبنان قائم منذ ما قبل الأزمة السورية والنزوح الى لبنان. وعلى سبيل المثال، في عام 2010، وإبّان تولّيه حقيبة وزارية «سيادية» زاره ممثّل المفوضية آنذاك، سائلاً عن أسباب ترحيل عراقيين سُجنوا لارتكابهم جرائم أو دخولهم خلسة، طالباً منحهم إقامات في لبنان بدلاً من ترحيلهم.
المساعدات بالدولار
يأتي قرار إعادة منح المساعدات للنازحين بالدولار، كما كان حاصلاً قبل الأزمة المالية في لبنان، في وقتٍ يشهد تجاذباً بين الدولة اللبنانية والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) حيال «الداتا» التي تحتكرها المفوضية، فيما الدولة «شاهد ما شافش حاجة» في ملف النزوح ولا تملك أي أرقام إحصائية رسمية محدّدة ونهائية عن النازحين، ما يُعتبر مدخلاً أساساً لـ»تنظيم وجودهم» ثمّ تحقيق عودتهم الى سوريا. المسؤولون اللبنانيون سارعوا الى «رشق» بعضهم بعضاً بتهمة التواطؤ في قرار منح المساعدات بالدولار. أمّا بحسب البيان المشترك لنائب المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان وممثل المفوضية وممثل برنامج الأغذية العالمي، الصادر هذا الأسبوع، فأتى هذا القرار «بعد مشاورات حثيثة مع كلّ من النظراء المعنيين والرسميين في الحكومة اللبنانية والبنك المركزي في الأشهر الأخيرة».
بالأرقام، توضح مصادر مفوضية اللاجئين في لبنان لـ»نداء الوطن» أنّ «المساعدات النقدية تختلف ما بين العائلات، ومعظمها يتلقّى مساعدة جزئية، إما نقديّة وإمّا غذائية. كذلك لا يتلقّى جميع اللاجئين المساعدات النقدية. أمّا الحد الأقصى الذي يمكن أن تتلقّاه العائلة الواحدة فهو 125 دولاراً أميركياً، فيما أنّ الغالبية من العائلات تنال أقلّ من ذلك بكثير.
تفصيلياً، إذا قرّرت العائلة الواحدة المؤهلة لنيل المساعدتين النقدية والغذائية، سحب المساعدات بالدولار الأميركي- وبحسب برنامج المساعدات المسجّلة فيه- فهي تحصل على 25 دولاراً أميركياً نقداً، و20 دولاراً أميركياً كمساعدة غذائية للفرد الواحد في العائلة الواحدة، على أن لا تتعدّى المساعدة الغذائية لخمسة أفراد في العائلة الواحدة. أي يُمكن للعائلة الواحدة المكونة من خمسة أفراد أو أكثر أن تتلقى 125 دولاراً أميركياً كحدّ أقصى في الشهر الواحد. كذلك يُمكن للعائلات سحب مساعداتها بالليرة اللبنانية بحسب سعر الصرف القريب من سعر الصرف في السوق الموازية. علماً أنّ هذه المساعدة التي تحصل عليها العائلة النازحة ليست «يتيمة»، فمنظمات الأمم المتحدة تغطّي تعليم النازحين وطبابتهم واستشفائهم… إضافةً الى المساعدات التي يحصلون عليها من منظمات إنسانية أخرى. هذا فضلاً عن أنّ كثيرين من النازحين يعملون في قطاعات عدة في لبنان ويحققون دخلاً يومياً أو شهرياً من دون التصريح عن ضريبة الدخل أو تسديد أي ضرائب ورسوم للدولة اللبنانية.
لذلك، وعلى رغم أنّ النازح يحق له أن يعيش بكرامة، إلّا أنّ الامتعاض اللبناني من هذه المساعدات لا ينطلق من نية «تجويع» النازحين بل من الغضب جرّاء «تجويع» اللبنانيين، فكثر من اللبنانيين وتحديداً من الموظفين في القطاع العام من مدنيين وعسكريين لا يتقاضون هذا المبلغ الذي يحصل عليه النازح شهرياً، فيما أنّ اللبناني محروم من أمواله والتعليم والاستشفاء. ويرى لبنان أنّ تقديم المساعدات للنازحين بالدولار مرتبط بالمخاطر أكثر ممّا هو عبارة عن أرقام، مهما كان حجم هذه المساعدات، إذ إنّ هذا يُعطي حوافز إضافية للنازحين للبقاء في لبنان و»يحميهم» من أي انهيار إضافي محتمل لليرة، بدلاً من وقف هذه المساعدات ونقلها الى الداخل السوري لتشجع النازحين على العودة الى بلادهم.
الداتا مقابل الإقامة
كذلك يتمسّك لبنان برفضه معادلة «الداتا مقابل الإقامة»، لما تشكّله من مخاطر دمج النازحين أو توطينهم. من جهتها، توضح مصادر المفوضية لـ»نداء الوطن» أنّه «وفقاً للقوانين اللبنانية، تنظّم تصاريح الإقامة الوضع القانوني للأجانب بشكل عام، بمن فيهم المواطنون السوريون، وتضمن أنّ وجودهم في البلد نظامي وقانوني»، مشيرةً الى أنّ «تصاريح الإقامة موقتة في طبيعتها وتخضع للتجديد السنوي. ولا تؤدي في أيّ حال من الحالات الى التجنيس أو الإقامة الدائمة في لبنان». وتشدّد المفوضية على أنّها «لم تُقدِم مرةّ على الدعوة إلى إدماج أو تجنيس اللاجئين السوريين في لبنان»، مؤكدةً أنّها «تعمل بلا كلل لإيجاد حلول مستدامة للاجئين خارج لبنان، تحديداً من خلال إعادة التوطين في بلدان ثالثة والعودة الطوعية الى سوريا بطريقة آمنة وكريمة».
إعادة التوطين
على مستوى إعادة التوطين في بلد ثالث، أي نقل النازحين السوريين من لبنان الى دولة أخرى (ثالثة) وافقت على قبولهم ومنحهم في نهاية المطاف الإقامة الدائمة، جرى تقديم طلبات 9،656 لاجئاً لإعادة التوطين في 13 دولة، 57 في المئة منهم أطفال. وهذه زيادة بنسبة 17 في المئة مقارنة بعام 2021، بحسب المفوضية. وتمثل طلبات إعادة التوطين المرفوعة من لبنان 40 في المئة من إجمالي الطلبات المرفوعة من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا و8 في المئة من الطلبات العالمية.
وأُعيد توطين ما يقارب 8،300 لاجئ في بلدان ثالثة، من لبنان في عام 2022. وهذه زيادة بنسبة 24 في المئة مقارنةً بعام 2021، وتشكلّ 39 في المئة من إجمالي المُعاد توطينهم من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا و14 في المئة على مستوى العالم.