الثلج عبء إضافي على البلديات
كتبت لوسي بارسخيان في “نداء الوطن”:
إذا كان جمع النفايات ومعالجتها يشكّلان أبرز واجبات البلديات التي لا يمكن مسامحتها على أي تقصير تجاههما، فإنّ إزالة الثلوج وإبقاء الطرقات مفتوحة في العواصف، يوازيانهما بالأهمية بالنسبة للمواطنين. وهم بالتالي ينتظرون من البلديات جهوزية تامّة حيالهما، ولا يقبلون أي ذريعة تقصير في هذا المجال.
إلا أنّ هذه المهمّة تأتي هذه السنة مثقلة بالعبء الذي يفرضه إرتفاع سعر صفيحة المازوت، المطلوب لتشغيل آليات جرف الثلوج وفتح الطرقات، والذي تشكو معظم البلديات من تخطّيه إمكانياتها وميزانياتها، المرهقة أساساً بارتفاع سعر صرف الدولار في مقابل ثبات حجم واردات هذه البلديات بالعملة اللبنانية. وعليه شكّلت «الثلجة» الأولى التي بدأت تشتدّ في منطقة البقاع بدءاً من مساء يوم الإثنين، تحدّياً جدّياً لبلديات المحافظة في هذا العام، وخصوصاً بالنسبة للقرى والبلدات المرتفعة، والتي شكا بعضها خلال لقاء جامع الأسبوع الماضي من عدم تسديدها فواتير فتح الطرقات المستحقّة عن العام الماضي. الأمر الذي اعتبر بعض رؤساء البلديات أنّه سيصعّب على البلديات مهمّة التعاقد مجدّداً مع أصحاب الآليات المؤجّرة لفتح الطرقات، ما لم تستعن بمموّلين خارجيين، سواء أكان هؤلاء من الأحزاب أو حتى من المؤسسات والافراد.
حزّرتا
بلدية حزّرتا في قضاء زحلة هي واحدة من تلك البلدات المرتفعة في محافظة البقاع، والتي تعاني سنوياً من تراكمات هائلة لكمّيات الثلوج، شكّلت عنواناً لكارثة إنسانية حلّت بالبلدة عام 1992 عندما أدّى تراكم الثلوج وإنهيارها الى وفاة 23 شخصاً من أبنائها. وعليه ليست كميات الثلوج التي زاد تراكمها في حزرتا منذ مساء الإثنين طارئة على أبناء البلدة، إنما قلقهم من إنعكاس تراجع قدرات البلدية على مواجهة هذه العاصفة، خصوصاً أنّ البلدية لم تتمكن في العام الماضي من تسديد مستحقات أصحاب الجرافات التي إستعانت بها لفتح الطرقات، وبالتالي هي عاجزة اليوم عن تسديدها بعدما تضاعف سعر الدولار أكثر من ضعفين عن العام الماضي. إلّا أنّ رئيس البلدية حسين أبو حمدان يؤكد لـ»نداء الوطن» أنّ الطبيعة الجغرافية للبلدة، والإنحدارات الموجودة فيها، وتَشكّل مناسف الثلج والرياح القوية، كلّها عوامل تضع التعامل مع العواصف الثلجية في قائمة أولويات بلدية حزّرتا. ومن هنا إذا كانت البلدية لا تزال حتى اليوم تعتمد على إمكانياتها لإبقاء طرقات البلدة سالكة، فإنّ أبو حمدان لا يستبعد الإستعانة بأي خيار يتيح ذلك مستقبلاً، مشيراً إلى أنّ أحد هذه الخيارات هو الإستعانة بـ»حزب الله» الذي يتفهّم برأيه واقع البلدة الدقيق، ويبدي الإستعداد للمساعدة كي لا تتكرّر الحوادث الكارثية في حزّرتا.
قاع الريم
في المقابل، يلفت وسام التنوري رئيس بلدية بلدة قاع الريم التي تقع بموازاة حزّرتا، إلى كون بلدته تنعم منذ فترة طويلة بفتح طرقاتها خلال العواصف على نفقة إحدى شركات المحارم الموجودة فيها. وهذا برأيه أثبت أنّه سيرفع عن كاهل البلدية عبئاً كبيراً في الموسم الجاري، حيث تبيّن أنّ فتح الطرقات خلال العواصف يحتاج إلى ستين ساعة عمل، بمعدّل تنكة مازوت لكلّ ساعة عمل، تبلغ كلفة كل منها حوالى مليون ليرة، هذا بالإضافة الى الكلفة اليومية لإستئجار الرفش والتي تبلغ 400 دولار، ممّا يجعل الكلفة اليومية لإزالة الثلوج تصل الى حوالى 35 مليون ليرة. وهو طبعاً مبلغ كبير إذا ما تمّت مقارنته بمجمل واردات بلدية قاع الريم من الصندوق البلدي المستقلّ، والتي لا تتخطّى الـ 200 مليون ليرة سنوياً، وتوازي كلفة إزالة الثلوج لسبعة أيام على أبعد تقدير.
بوارج
في المقابل، ثمّة بلديات في القضاء سعت للإعتماد على ذاتها في تأمين وسائل أكثر إستدامة بعملية إزالة الثلوج، كبلدية بوارج مثلاً، وقد اقتنت جرّافاتها الخاصة منذ سنوات طويلة، وسعت لتدارك التقصير الذي لحق تجاهها جرّاء تكفّل وزارة الأشغال بإزالة التراكمات في المرتفعات المؤدّية الى طريق ضهر البيدر. إلا أنّه حتّى في بوارج، يتحدّث رئيس البلدية محمد البسط عن تكاليف باهظة لإزالة الثلوج هذا العام، سيحتّمها بالإضافة الى سعر صفيحة المازوت أجرة صيانة الآليات. ومع ذلك يطمئن إلى أنّ مسألة فتح الطرقات لا تتحمّل أي إهمال، وبالتالي فإنّ البلدية ماضية بالمهمّة مهما كان الثمن، لافتاً الى أنّه اشترى المازوت العام الماضي على نفقته كونه كان يخشى من أن يؤدّي شحّ المادة في السوق الى عزل بلدته. أمّا في العام الجاري فالبلدية تتزوّد بالمازوت على مسؤولية رئيسها، الذي تكفّل للمحطّات بتسديد المبالغ المستحقّة، فور حصول البلدية على مستحقّاتها وتوفر الأموال في صندوقها.
ثمّة بلديات أخرى في البقاع أيضاً أخذ فيها أعضاء المجالس البلدية ورؤساؤها تكاليف تشغيل الآليات على نفقتهم، سعياً لضمان سير آلية فتح الطرقات من دون تأخير، خصوصاً أنّ أيّ تقصير في هذه المهمّة تحمّل مسؤوليته مباشرة للبلدية. فيما يجمع القيّمون على البلديات أنّ أي خلل في تأمين حقوق المواطنين الطبيعية، سواء بإزالة عوائق الثلوج، أو بلمّ النفايات وغيرها من الخدمات الأساسية، لا يمكن فصله عن تدهور الواقع الإقتصادي العام في لبنان، والذي بدأ يحمّل البلديات أكثر من طاقاتها على التحمّل، محوّلا خيرات الثلج الأبيض الذي انتظره اللبنانيون عموماً عبئاً ثقيلاً حتى على هذه البلديات.