طرابلس على مفترق طرق: خطة محكمة أو الفوضى؟
كتب أحمد الأيوبي في “نداء الوطن”:
لم يعد ارتكابُ الجرائم في طرابلس مجرّد وقائع متفرِّقة ناتجة عن إشكالات محدودة أو نزاعات بين مجموعات متنافسة في الشوارع، فتراكمُ عمليات القتل والسلب يطرح علامات قلق كبيرة على مسار الأحداث في عاصمة الشمال حول احتمال انزلاقها نحو عنفٍ أوسع إذا بقيت الساحة مفتوحة على هذا المستوى من الفلتان الذي يمكن استغلاله لتوسيع دائرة الفوضى.
الأمر الواضح هو أنّ الفوضى تجذب الجهات المُشغِّلة للتطرّف والإرهاب، وما يجري في شوارع طرابلس أصبح يصلح ليكون إشارة إلى هذه الجهات لاستغلال الفراغات السياسية والاجتماعية والأمنية، للتسلّل من أجل تجنيد شرائح غير تقليدية، تتّسِم بأنّها بعيدة عن التديّن وتعيش في هوامش عالم المخدِّرات والتشبيح والجريمة، وهذا الاختيارعائد إلى أنّه بعيد عن الشبهات الأمنية.
تعاني طرابلس حظر تجوال لاإراديّاً يبدأ قرابة الخامسة مساءً ويمتدّ حتى السادسة فجراً، وهذا الأمر يضرب الحركة التجارية ويُفقد أهل المدينة الشعور بالأمان والاستقرار.
ترفض طرابلس الأمن الذاتي لأسباب كثيرة أهمّها أنّ أهلها متمسّكون بالدولة وأيّ سلاح خارج قواها الشرعية سيعتبر تبريراً لسلاح «حزب الله»، كما أنّه لا توجد قوّة حزبية مسيطرة في المدينة، وهذا سيسمح لمجموعات الفوضى بأن تفرض الخوّات وتعيث فساداً في المدينة، كما سبق أن حصل خلال جولات القتال بين منطقتي جبل محسن والتبانة.
هناك مساران تحتاج طرابلس إليهما:
ــ المسار الأول: هو اجتماعي ديني، يعمل على مواجهة أفكار التطرّف وينبغي أن تتحرّك في طليعته القيادات الدينية، بالتوازي مع العمل على إحياء منظومة القيم الدينية والأخلاقية لأنّه حتّى إذا توافر لكلّ مواطن خفير، فلن يحقِّق ذلك الاستقرار إذا غاب الوازع القيمي، وهذا ما أشار إليه مفتي طرابلس الشيخ محمد إمام في حفل تكريمه الذي أقامه السيد محمد أديب، ويُنتظر ترجمته في الخطاب الديني في المرحلة المقبلة بشكلٍ منهجيّ ومتواصِل.
ــ المسار الثاني: هو مسارٌ أمنيّ اجتماعي، ويتمثّل في انتشارٍ رشيق ودائم للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي وبقية الأجهزة والحرس البلدي، في الوسط الكبير لطرابلس نظراً لأهميته الرمزية، ولأنّ أغلب الجرائم تُرتكبُ في نطاقه الممتدّ من أول الميناء غرباً وصولاً إلى الأسواق وباب الرمل، على أن تتوسّع هذه الخطة نحو كلّ مناطق المدينة.
في هذه الخطة، للبلدية وحرسها دور محوريّ لأنّها صاحبة الصلاحية في معالجة أوضاع الشارع، ومع انتشار الجيش وقوى الأمن الداخلي ستكون أيّ خطة بلدية لتنظيم أوضاع الأكشاك وإزالة المخالفات، محصّنة وقادرة على إنهاء ظواهر الانفلاش غير المنطقية للبسطات وإعادة تنظيمها بشكل عادل.
يُبدي المجتمعُ الاقتصادي، والتـُّجار منهم خاصة، استعدادهم للمساهمة في توفير الأكلاف اللوجستية لدعم حركة القوى الأمنية، وهذا جانبٌ تجب مراعاته في ظلّ تأثير الانهيار على قدرة هذه القوى على التحرّك.
تحتاج المدينة إلى إنارة شوارع الوسط الكبير للمدينة، بحيث تدبّ فيها الحياة، وتنتعش الحركة التجارية ليلاً، وتحصل الإنارة الآن بمبادرات متناثرة تحتاج إلى تنسيق وتركيز، وتكتمل الصورة بإشراك الجمعيات الأهلية والكشفية والمتطوعين في التوعية والتنظيم والمعلومات.
لتحقيق هذا التصوّر لا بُدّ لنواب طرابلس وقواها السياسية والاقتصادية والمدنية أن يتعاونوا في تهيئة الأرضية لهذا التوجّه، والتنسيق مع وزير الداخلية ابن طرابلس القاضي بسام مولوي، المعروف بحرصه على مدينته وأمنها، ومع قائد الجيش العماد جوزاف عون، الذي تحتل الفيحاء حيّزاً واسعاً من اهتمامه ولها عنده مكانة خاصة، والحرص نفسه موجود لدى المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، وكذلك لدى المدير العام للأمن العام اللواء المتقاعد عباس إبراهيم.
تقفُ طرابلس على مفترق طرق بين طلب الاستقرار وخطر الانزلاق نحو الفوضى ومخاطر الإرهاب، خاصة إذا تذكّرنا أنّ كلّ استحقاق رئاسي تقريباً بات مسبوقاً بأحداثٍ أمنية كبرى، وهذا يوجب التحرّك العاجل لأنّ طرابلس لم تعد قادرة على دفع أيّ أثمان للصراعات السياسية من دماء أبنائها ومن اقتصادها المُنهك، والأرجح أنّها لن تدفع وحدها ضريبة الخراب إذا وقع.