لبنان

لعبة الرهائن

كتب رفيق خوري في “نداء الوطن”:

قادة الأمن صامدون، من حيث يعتكف القضاة، في ظروف حياة قاسية على تسعين بالمئة من اللبنانيين. وهم يطمئنون الناس عشية الأعياد الى أن “الأمن ممسوك”. ممسوك في بلد غير متماسك سياسياً، ومنهار مالياً وإقتصادياً، ومأزوم إجتماعياً. بلد صارت أسباب الخوف فيه أكبر من الفلتان الأمني والسرقات والجرائم، لأن السطو على المال العام والخاص في”سرقة العصر” ثم على أيدي المافيا السياسية والمالية والميليشيوية الحاكمة والمتحكمة. بلد بلا سياسة ولا رئيس جمهورية ولا حكومة فعلية ولا إقتصاد ولا مال ولا مصارف بالمعنى الحقيقي، لكن السياسيين ورجال المال والأعمال والسلاح وجماعة المصارف والمايسترو في المصرف المركزي لا يزالون يحتلون المسرح والكواليس ويمارسون الوجاهة والنفوذ. حتى النواب الذين عليهم إنتخاب رئيس للجمهورية، فإنهم حولوا جلسات الإنتخاب الى نوع من حفلات التهريج في مقبرة.

ذلك أن الجمهورية رهينة. ولا رئاسة الى أن تنضج ظروف المجيء برئيس يكون رهينة. وفي الإنتظار غرق يومي في الأحاديث عن أية دولة تختار من، وماذا تريد الدول المهتمة بلبنان، ومتى تتحرك الدول قليلة الإهتمام واللامهتمة، حيث تبدو التركيبة السياسية غير مضطرة للإهتمام. وحصر الخيارات بأسماء محددة يصعب إنتخابها ويحتاج كل منها الى”لمة صينية” أصوات هو مجرد شراء وقت على حساب لبنان لتبرير سياسة التعطيل. وليس من المعقول أن ننتظر صراعات المنطقة والعالم ثم تبلور نظام إقليمي جديد ونظام عالمي جديد، لكي يكون لنا رئيس جديد يعرف الجميع أنه سيكرر بعد ست سنوات ما قاله “الرئيس القوي” ميشال عون: “ما خلوني”.

يقول بول رومر من جامعة ستانفورد إن “الأزمة شيء رهيب لكي نبدده أو نضيعه”. والترجمة العملية لذلك أن الأزمة العميقة تكسر المحاذير وتفتح باب فرصة لحل جذري لم يكن ممكناً في الظروف العادية. لكن مشكلة التركيبة السياسية في لبنان والتي يقودها أمراء الطوائف هي أن الحل المطلوب واضح ومحدد، في حين أنها تعيش على الغموض. غموض سمي بعد الإستقلال “الإلتباس الخلاق”، وهو صار مدمراً في النهاية.

لماذا؟ لأن إرادة العيش المشترك قائمة على ما سماه ميشال شيحا “الخوف السياسي المتبادل والمنفقة الإقتصادية المشتركة”. وهذه وصفة للجمود والهرب من الإصلاحات باستمرار. فلا في الظروف العادية قبلت التركيبة السياسية إجراء الإصلاحات الضرورية والملحة. ولا في ظروف الأزمة العميقة التي نحن فيها جرى إستغلال الفرصة للقيام بالإصلاحات المطلوبة والتي صارت من شروط الأشقاء والأصدقاء لمساعدة لبنان. وعلى العكس، فإن تكبير الأزمة هو الرياضة الوطنية لأمراء الطوائف الذين تضرب الإصلاحات مصالحهم الفئوية والشخصية. والفرصة ضاعت. فالطريق الى الحل الجيد مقطوع. والحل السيئ لم تأتِ ساعته بعد.

حين أصدر وزير الخارجية الأميركي سابقاً دين أتشسون مذكراته إختار لها عنوان “حاضر عند الخلق”. وهو مستوحى من كلام الملك الإسباني ألفونس الحكيم في القرن التاسع عشر القائل: “لو كنت حاضراً عند الخلق لأعطيت بعض الملاحظات المفيدة من أجل نظام أفضل للكون”. وقمة المساخر أن الرافضين للإصلاحات هنا والعاجزين عنها يتصرفون كأنهم أصحاب نصائح في خلق الكون.

Related Articles