مسار سقوط قصر “التغييريين” على رمال خلافاتهم
كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
لم يُعِر رئيس مجلس النواب نبيه بري، كما النواب، الكثير من الاهتمام لواقع أنّ الجولة الرابعة من الاستحقاق كانت الأخيرة ضمن المهلة الدستورية، قبل وقوع الشغور الذي بات حتمياً. سلكت الأمور مساراً هادئاً، سلساً، وكأنّ لا شيء يستدعي حراكاً استثنائياً يقطع الطريق أمام مزيد من التدهور والهريان الذي يهدد بسقوط الهيكل فوق رؤوس اللبنانيين، وقد ضمنت الطبقة السياسية، و»تغييريوها» مقاعدها للسنوات الأربع المقبلة.
وقبل أيام من الانتقال إلى مربّع جديد من الأزمات السياسية المفتوحة على المجهول، بدت الجلسة الانتخابية الأخيرة حاسمة في تكريس رزمة استنتاجات قد لا تتغيّر في المدى المنظور:
– أولاً، لم يعد خفيّاً أنّ قوى المعارضة تعاني من عطب عضوي يحول دون التحامها حول مشروع رئاسي واحد، وليس حول مرشّح واحد. بمعنى أنّها عجزت عن معالجة خلافاتها، وهي في العمق وتتصل بعامل الثقة وبتراكمات الماضي، لكي تتمكن من الاتفاق على خارطة طريق موحّدة تترك بيدها قدرة المبادرة لبلوغ عتبة تقديم مرشّح قادر على تلبية شروط المنافسة الجديّة. اذ أنّ المجهود المكثّف الذي خاضه النائب ميشال معوّض مدعوماً بشكل أساسي، بـ»القوات» لرفع «سكور» أصواته، لم يأت بنتيجة. وهو أمر ليس عبثياً أو بريئاً. اذ كان مقدّراً له أن لا يتجاوز هذا الرقم، وما «الطلعة والنزلة» التي شهدها في الجلسات الأربع، إلّا دليل موثّق على أنّ حجمه «الرئاسي» لم ولن يتخطّى هذه العتبة.
– ثانياً، إنّ التشظّي الذي يجعل من المعارضىة «أجنحة متكسّرة»، دفع بها إلى تظهير «الخطة ب»، وهي القدرة على التعطيل، من هنا كان العمل على تأمين 43 صوتاً لمعوض، أو الايحاء أنّ هذا الرقم موضوع في الجيبة. ولكن دون التعطيل حسابات معقّدة قد لا تكون مضمونة، وفي مقدمها تأتي اعتبارات رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط الذي كان أول ملتقّفي «الخطة أ» أي ترشيح معوض، على قاعدة أنه قدّم قسطه للعلى، وهو الذي مهّد لتلك الخطوة عبر إعلانه على نحو رسمي تفضيله مرشحاً غير استفزازي يكون مقبولاً من الجميع. وهو معيار لا ينطبق على النائب الزغرتاوي طالما أنه مرفوض من الاصطفاف الآخر. وهذا يعني أنّ ورقة التعطيل أو الـ43 صوتاً ليست محفوظة في «الأمانات» ويمكن لجنبلاط أن «يكشفها» و»يفرطها» اذا نضجت الظروف الدولية والاقيلمية، ليكون أول المنضمين إلى قافلة التسوية.
ولكن على هامش هذه المشهدية، لا بدّ من التوقف عند حالة نواب مجموعة الـ13 التي تستحق بعضاً من التدقيق. فهؤلاء أشبه ببازل غير متجانسة، لا بل طبق فتوش بمكونات مختلفة سرعان ما وقع قصرهم المبني على الرمال المتحرّكة. وهذه عينة من بعض الوقائع التي شهدها التجمّع مذ تأليفه التي تُبيّن أنّ تشظيه هو قدر محتوم:
– مع نشوء التكتل على قاعدة تجميع مكوناته «من كل وادٍ عصا»، حاول النواب الجدد مأسسة العلاقة في ما بينهم وقد جرى تشكيل أمانة سرّ سرعان ما صارت طاولة النقاشات العقيمة، فلا يأخذ النواب بأفكارها وطروحاتها (كالحوكمة الداخلية كآلية لاتخاذ القرار) ولا يستثمرون وجودها وكأنّ بعضهم تقصّد تجهيلها. ويتردد أنّها لم تعد تجتمع أصلاً.
– انطلق سيل الاستفهامات حول الجهة أو الجهات التي تحرّك التكتل مذ اسقاط اسم غسان سكاف لنيابة رئاسة مجلس النواب. قسم كبير اعترض، البعض سرد تبريرات غير مقنعة، لكنّ الجميع التزم برأي الأكثرية.
– مع استحقاق رئاسة الحكومة، أسقط أيضاً اسم نواف سلام، من حيث لا يدري كثر منهم. بعضهم طرح ابراهيم منيمنة والبعض الآخر رفض الجمع بين النيابة ورئاسة الحكومة. توتر واشكالات و»حركات زعل بالباركينغ»… وبيان استباقي عن حزب «تقدم» بدعم سلام تبيّن أن نجاة صليبا لم تكن على علم به بينما «رفيقها» مارك ضو هو الأكثر حماسة للسفير السابق… وقد انتهت الجولة إلى خروج ثلاثة منهم عن الاجماع والتصويت بورقة بيضاء.
– يمكن تصنيف النواب 13 ضمن أكثر من مجموعة: ضو وصليبا يتفقان مع وضاح الصادق، ويتقاطع معهم أحياناً رامي فنج وفراس حمدان. فيما تجمع علاقة طيبة بين ابراهيم منيمنة وحليمة قعقور المفضّلة عند سينتيا زرازير. ميشال الدويهي سارع إلى التمايز، وهو أصلاً متمرّد على مجموعة «أسس» التي خاض المعركة باسمها بسبب عدم رضاها عن أدائه وعدم العودة إليها في قراراته، أسوة بما حصل مع «شمالنا» التي هي بالأساس اطار انتخابي، والتي لجأ إليها كغطاء سياسي لكنها انزعجت منه لأنه لم يبلغها مسبقاً بقرار انسحابه من التكتل. يتردد أنّه يفضل دعم ميشال معوض لكنه لا يجرؤ على فعلها لاعتبارات زغرتاوية.
أما ملحم خلف فحالة بحدّ ذاتها ولو أنّ بولا يعقوبيان تحاول التقرب منه كما تفعل مع البقية وقد اتهمت أنّها تحرك التكتل إلى أن بيّنت الوقائع عكس ذلك. الياس جرادي حالة خاصة أيضاً وقد تعرّض لانتقادات كثيرة بسبب زيارته دمشق، فيما يصعب وضع ياسين ياسين في قالب محدد.