استحقاقان يحاول «المركزي» تجاوزهما.. وبعدها الطوفان
يدخل سعر الصرف الرسمي أي الـ15 الف ليرة حيز التنفيذ اعتباراً من مطلع الشهر المقبل، كذلك الدولار الجمركي والضريبة على القيمة المضافة، وبعض الرسوم التي تجبيها الدولة. فكيف سيصبح المشهد اعتباراً من شهر تشرين الثاني، وهل سيتمكّن المواطن من التعايش مع موجة الغلاء الجديدة؟
يرى الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود، «انّ جباية الدولة واجب، لكن لا يمكن الاستمرار بتسعيرها وفق دولار الـ1500 ليرة، وفي الوقت نفسه نتساءل على أي أساس قرّرت وزارة المالية قبض الجباية وفق دولار 15 الفاً، مع العلم انّ هذه الـ15 الفاً، لا هي السعر الرسمي ولا السعر النقدي، ولا هي المعتمدة في مصرف لبنان، اي ما يُسمّى بسعر الصرف، في حين انّ السعر الحقيقي هو السعر الذي يتوفر فيه الدولار من دون اي مشقة او عناء للاستحصال عليه، وهو ما يُعرف بسعر الصرافين او سعر السوق الموازي؟».
ورداً على انّ رفع سعر الصرف الرسمي سيزيد من التضخم قال حمود: «يتأتى العجز عندما لا تتساوى واردات الدولة مع مصاريفها، أما التضخم فيبدأ عندما تضطر الدولة إلى الاستدانة من المصرف المركزي لسدّ العجز. أما أصعب حالات التضخم هي عندما تقدم الدولة على الاستدانة من المركزي الذي يضطر إلى ضخ الاموال لدفع الرواتب والاجور، ويتقلّص التضخم عندما تحاول الدولة تأمين الايرادات من السوق، فتسحب منه الليرة لدفع الاجور والرواتب من دون الاستدانة من مصرف لبنان، وهذا ما يحصل في كل دول العالم، بحيث تعمد الدول إلى سحب الليرة من السوق بلغة الفوائد او شراء السندات».
واعتبر حمود انّ «تسعير سعر الصرف بـ15 الف ليرة هو هرطقة، والأجدى اعتماد الدولار الحقيقي لتتوازن الايرادات مع المصاريف. لذا المطلوب تحديد سعر الدولار الكفيل بتأمين التوازن بين الايرادات المرتقبة مع المصاريف، وهذا يستوجب رفع الرواتب والاجور»، مشدّداً على انّه «لا يجوز رفع الايرادات من دون رفع الاجور، والّا كيف يمكن المحافظة على العسكري او القاضي او الموظف او الاساتذة بمعاشات بخسة؟ لذا المطلوب رفع الرواتب والكف عن إهانة الناس أكان برواتبهم او بوديعتهم بحجة التضخم». أضاف: «لا يجوز تحديد دولار اصطناعي في الموازنة رأفة بالناس. ربما الأجدى ان تُخفّض الضرائب، لكن يجب ترك الدولار على سعره الحقيقي».
دولار السوق
أما عن وضع الدولار المرتقب في السوق السوداء نتيجة هذه التدابير قال حمود: «هذا شأن مالي وليس نقدياً. وفي الشق النقدي لا نعرف ماذا يخبئ لنا مصرف لبنان من تعاميم لمواكبة المرحلة، هل سيرفع سقف التعميم 151 و 158، وهل سيغيّر سعر الدولار المعتمد لدى دفع القروض، وفي المناسبة لماذا لا تزال الشركات تدفع دينها على سعر صرف 1500 ليرة؟ وإذا كانت الرواتب تضاعفت 4 إلى 5 مرات كذلك ايرادات الشركات، لماذا لا تزال الجباية وفق سعر صرف 1500 ليرة؟».
ورأى حمود انّ «كل التعاميم التي أصدرها وسيصدرها مصرف لبنان هي ترقيعية لتقطيع المرحلة ريثما يتمّ اجتياز استحقاقين: الاول هو الاستحقاق الرئاسي في نهاية الشهر الجاري، والثاني في خلال شهر تموز من العام 2023 مع انتهاء الحاكمية، ومن بعدها يبدأ الطوفان، الّا في حال تحولت الاوضاع الى ايجابية بسحر ساحر».
وعن التوقعات بارتفاع الدولار في السوق السوداء خلال المرحلة المقبلة، قال: «يمكن التخفيف من وتيرة ارتفاع الدولار الموازي، الّا انّه لا يمكن ان نغيّر في اتجاهه»، عازياً ذلك إلى انّ «الحاجة الاستيرادية والحاجة التخزينية للدولار في المنازل أكبر من الدولارات المتوفرة او التي تدخل الى لبنان»، لافتاً الى انّ الدولارات التي تدخل إلى لبنان ساعدتنا حتى اليوم على الصمود والاستمرارية ولو بقساوة وقهر وذلّ.
وكشف حمود انّ حجم الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية الموجودة اليوم في السوق تساوي مليار دولار، إذا اضفنا اليها حجم الحسابات الجارية المحجوزة في المصارف، والتي لا يمكن سحبها لشراء الدولار، يصبح لدينا ما مجموعه ملياران ونصف المليار دولار، فهل يجوز تجفيف السوق أكثر من العملة اللبنانية؟ اي أكثر من مليار دولار؟
وجزم حمود بأنّه لا يمكن الاستمرار على هذا النحو. لذا فإنّ رفع الاجور والرواتب اليوم بات حاجة ملحّة. كما يجب ابلاغ المودعين انّ الدولار غير متوفر وتزويدهم حاجاتهم الأساسية الشهرية وفق سعر الصرف الحقيقي. كما لا يجوز ان تكون الحصة الشهرية للمودع الذي لديه مليار دولار مثل من لديه 5 آلاف دولار، مثل من ليس لديه مدخولاً آخر غير وديعته. وشدّد انّه يجب التساهل مع من لديه حاجات استشفائية او تعليمية او ايجار منزل، والمتقاعد الذي ليس لديه مدخول آخر، شرط ان يكون كل ذلك بالليرة اللبنانية.
… نحو الاسوأ
وعن الوضع المرتقب اعتباراً من الشهر المقبل قال حمود: «نحن نتجّه نحو الأسوأ، لأنّ كل المؤشرات تدل إلى انّ هناك فراغاً رئاسياً، في حين ليس هناك اي معالجة حقيقية لموضوع الرواتب ولا خطة واقعية للتعافي ولا التدابير التي حملتها الموازنة ولا مشروع قانون معالجة الودائع». وفي هذا الاطار يقول انّ «اموال الناس للناس، وعدم القدرة على اعادتها لهم راهناً مفهوم، انما ليس مسموحاً ان يخسر المودع دولاراً واحداً من وديعته بينما يستمر مصرفه بالعمل بشكل طبيعي من دون ان يعلن افلاسه او يقفل، ومدير البنك لا يزال يسافر على هواه ويعيش حياة ترف وبحبوحة، فهذه اهانة للمودع».