الشغور الرئاسي ليس “تحصيلاً حاصلاً”!
كتب رامي الرّيس في “نداء الوطن”:
سواء تألفت حكومة جديدة أم لم تتألف قبل نهاية العهد الرئاسي، لا مناص من التركيز على الإستحقاق الأهم الذي ينتظره اللبنانيون بفارغ الصبر ألا وهو انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة بعيداً عن افتعال السجالات السياسيّة والدستوريّة التي لا ترمي سوى إلى جرّ لبنان نحو المزيد من الفوضى والإنهيارات المتلاحقة.
وطالما أنّ الإصرار على التأليف هو من أطراف محور الممانعة بتلاوينه المختلفة (وفي طليعتها تيّار العهد الآيل إلى الأفول)، فإنه يصبح أكثر إثارة للشكوك لما لهذا المحور من مسيرة طويلة في شلّ المؤسسات الدستوريّة وتعطيلها وابتداع الأعراف السياسيّة وإلباسها شعارات فارغة.
ثمّة مسؤوليّة حتميّة على كل الكتل النيابيّة التي تستوعب دون شك خريطة القوى في المجلس النيابي وموازين القوى الدقيقة فيه بعد الانتخابات النيابيّة الأخيرة، بالترافق مع عدم إغفال البعد الخارجي للاستحقاق الرئاسي اللبناني كما كان تاريخيّاً والابتعاد عن تبسيط هذه العمليّة وتسخيفها وتصويرها على أنّها مجرّد عمليّة إقتراع في صندوق خشبي شفاف (طالما أن التصويت الإلكتروني غير موضوع في الخدمة حتى إشعار آخر).
ليس الهدف من هذه المقاربة قطع الطريق على «لبننة» الاستحقاق، بل على العكس تماماً، إذ بقدر ما يتوسّع الهامش المحلّي في الاستحقاق، نعزز «الديمقراطيّة اللبنانيّة» الهشة والتي تعاني إهتزازاتٍ كبيرة ومشاكل بنيويّة عميقة. ولكن هذا لا يلغي البعد الخارجي لاختيار الرئيس اللبناني الذي سوف يحتاج في نهاية المطاف لأي دعم خارجي قد توفّره التوافقات المسبقة.
إنما بعيداً عن التحليل السياسي والتنظير الذي يملأ الشاشات من كبار المفكرين الجيوستراتيجيين؛ ثمّة واقع متفاقم على الأرض يرفع مستويات الغضب الشعبي بشكل مضطرد وسريع، يبدأ مع نكبة المودعين ولا ينتهي بانفصال معامل الطاقة عن الشبكة الكهربائيّة بشكل شبه تام وعدم توفر التغذية بالتيار ولو لساعة واحدة في اليوم (باستثناء القصر الجمهوري ومحيطه كما يُشاع، ولكنها على الأرجح إشاعات مغرضة لأن سيّد العهد لا يرضى إلا أن يعيش معاناة اللبنانيين في الفقر والقيظ والغلاء والجوع).
واضح أن المعاناة الجماعيّة اللبنانيّة بدأت تأخذ أشكالاً ومنعطفات جديدة لا تقتصر تباشيرها على الأحداث المتفرقة التي تشهدها المصارف التجاريّة، بل تتعدّاها إلى المشاكل الكبرى في مختلف القطاعات. الجامعة اللبنانيّة والمدرسة الرسميّة تعيشان مراحل صعبة للغاية وهما ملاذ الطلاب الذين تكويهم الأقساط المدرسيّة والجامعيّة التي باتت بالدولار الأميركي في جزء كبير منها.
لم يحقق لبنان أية خطوات على الإطلاق في المجال الإصلاحي وفق متطلبات صندوق النقد الدولي الذي أصبح ممرّاً إلزاميّاً للبنان مع المجتمع الدولي وهيئات التمويل الدوليّة، وها هي بعثة الصندوق «تسائل» المرجعيّات اللبنانيّة المعنيّة حول مصير التشريعات الأربعة الأساسيّة التي سبق أن طلبتها من لبنان، وهي تحديداً: قانون السريّة المصرفيّة (أقرّ ثم أعيد إلى المجلس النيابي)، قانون «الكابيتال كونترول» الذي كان من المفترض أن يصدر قبل أكثر من عامين وبشكل أدق منذ بدء الأزمة الماليّة والنقديّة الحادّة وغير المسبوقة، قانون إعادة هيكلة المصارف الذي من المفترض أن يلحظ المتغيرات الكبيرة التي شهدها الاقتصاد اللبناني خلال المرحلة المنصرمة، وقانون الموازنة العامة الذي تعرّض لانتكاساتٍ كبيرة في جلسات النقاش النيابيّة الأخيرة لا سيّما أن المشروع لم يعكس أية رؤية إقتصاديّة أو إنقاذيّة أو إجتماعيّة.
الناس لا يكترثون للسجالات العقيمة حول الصلاحيّات في حقبة الشغور الرئاسي (وكأنّها تحصيل حاصل). إنهم يريدون رغيف الخبز والكهرباء والخدمات البديهيّة والعيش الكريم والأمل بمستقبل أفضل.