لبنان

هل تصدق الاستفاقة فتتشكّل الحكومة مطلع تشرين؟

كتب أنطوان الأسمر في “اللواء”:

الإستفاقة المتأخرة للرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي عند عتبات القصر الجمهوري لم تؤخذ على محمل كامل بالنظر الى أن للرجل صحوات مماثلة لا يلبث أن يعود عنها الى سبات حكومي عميق.

1- قبل الإنتخابات النيابية، أبلغ وزراء حكومته، زرافات ووحدانا، أن الحكومة باقية بعدها بصرف النظر عن النتيجة وعن أي توازنات مجلسية وسياسية جديدة قد تحملها، وأن لا داعي لأي جهد حكومي للتأليف.

2- مباشرة بعد الإنتخابات، ترجم توجهه هذا بأن حمل الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تشكيلة تقصّدها مستفزة، أقصى فيها 3 وزراء محسوبين عليه، وأبدلهم بثلاثة انتقاهم ميقاتي نفسه من دون أي تشاور مسبق مع القصر. لكنه في الوقت عينه اتّفق مع رئيس مجلس النواب نبيه بري على تغيير في وزارة المال قضى بإبدال يوسف خليل بياسين جابر. كما تواصل مع رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط مستفسرا إمكان تسميته بديلا من وزير شؤون المهجّرين رمزي شرف الدين. واعتمد مداورة سياسية – مذهبية في وزارة الطاقة حصرا. وسمّى أحاديا وزيرا من الأرثوذكس في وزارة هامشية بدلا من وزارة الطاقة. ولما تيقّن من فعلته سارع بعد أيام الى البطريركية المارونية والى مطرانية الروم الأرثوذكس في بيروت من أجل الشرح والتبرير.

3- في الوقت نفسه، أقدم على إقفال الطريق على أي بحث أو نقاش مع رئيس الجمهورية أو حتى أي مراجعة، بذريعة الحفاظ على مقام رئاسة الحكومة وصلاحياتها واتفاق الطائف (!)، وبحجة عدم جواز إشراك رئاسة الجمهورية في التأليف إلا في ما يقتصر على توقيع مراسيم ولادة الحكومة.

4- كما شنّ عبر فريق عمله السياسي والإعلامي حملة على التيار الوطني الحر، متهما إياه بعرقلة التأليف عبر فرض شروط على الرئيس المكلف. ولما واجهه النائب جبران باسيل في الجلسة الشهيرة في ساحة النجمة، أنكر أي شروط وتوعّد فريق عمله الإعلامي بالويل والثبور. لكن بقي الوعيد كلاما، ولم يكن يُنتظر منه أكثر من كلام.

5- أمطر أصدقاء مشتركين مع القصر أن في حوزته ورقتي لوتو رابحتين أنى أتت النتيجة. في جيبه الأيمن المسودة الحكومية (الاستفزازية) التي طرحها على رئيس الجمهورية، وفي الأيسر ورقة الحكومة المستقيلة. وفي كلا الحالتين، هو في موقع الرابح، وترك الرئيس في زاوية أن يختار واحدة من الورقتين الميقاتيتين.

6- كابر أسابيع مديدة على متن رحلاته البحرية الصيفية في السواحل الأوروبية، رافضا طلب موعد لزيارة القصر، ثم استفاق في عيد انتقال السيدة العذراء يوم 15 آب الفائت، فاتّصل برئيس الجمهورية العماد ميشال عون معايدا (!) في عيد قلّما المسيحيون أنفسهم يعايدون بعضهم البعض فيه، ثم قصده مقدما إقتراحا حكوميا جديدا عاد فيه عن التبديل في وزارة الطاقة، لكنه أصرّ على التبديل في كل من وزارتيّ الاقتصاد والتجارة وشؤون المهجرين.

7- غطّ قليلا قبل أن يصحو على ضغوط أميركية وفرنسية تحضّه فورا على مغادرة خانة المناورة والمراوحة. فبعث في يوم أبيض بموافقة نهائية على توسعة الحكومة بإضافة 6 وزراء دولة، وهو طرح قدّمه عون في بدايات النقاش الحكومي. حمل الموافقة الى القصر الصديق المشترك إياه، قبل أن يعود ميقاتي في الزيارة ما قبل الأخيرة عن موافقته تلك. وتبيّن أن رئيس مجلس النواب نبيه بري نهره عن ذلك بحجة عدم جواز تعويم عون وباسيل في الهزيع الأخير من العهد، أو تمكين باسيل تحديدا من ثلث معطّل لحكومة الفراغ الرئاسي. كذّب فريق ميقاتي الرواية عن نهر بري له وإجباره على العودة عن موافقته على التوسعة الحكومية، قبل أن يبادر رئيس المجلس في 31 آب الى تبّنيها علنا بقوله إن هذا الأمر «تهمة لا أنكرها وشَرف أدّعيه».

8- زادت الضغوط الدولية، فاغتنم ميقاتي سفره المزمع، المديد أسبوعين الى لندن ونيويرك، كأن البلد في أحسن أحواله، لزيارة القصر أول من أمس (15 أيلول) ويجلس 30 دقيقة كاملة مع الرئيس (كأن العائق كان في قصر اللقاءات السابقة لا في القصور والامتناع عن التأليف)، ليخرج مبشرا اللبنانيين بالمن والسلوى الحكومية مطلع تشرين الأول مباشرة بعد إنتهاء رحلته الجديدة، وبأنه لن يبارح القصر بل سينام فيه إن إقتضى الأمر حتى صدور التشكيلة الجديدة.

في ذهن شخيصة سياسية رفيعة أن ميقاتي قد يكون هذه المرة على صدق لأنه تيقّن من أمرين محلي وخارجي:

1- أن بري الذي سقط من يده خيار سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، أقلّه حتى 31 تشرين الأول، بات على عجلة من تأليف حكومة جديدة أو تشريع الحكومة المستقيلة بالآليات الدستورية اللازمة، قطعا للطريق على أي خيارات رئاسية يعتبرها مسببا لفوضى دستورية هائلة ستُحرج الجميع وتحجب عن المنظومة القدرة على الإستمرار في التحكّم في مسار اللعبة السياسية، واستطرادا السيطرة على مسار إنتخاب رئيس جديد للجمهورية.

2- أن واشنطن وباريس لا ترغبان في فراغ رئاسي، وأنه في حال وقوع المحظور لا بدّ أن تقوم مقام رئيس الجمهورية حكومة مكتملة المواصفات والصلاحيات، لا جدل يعتريها سيتسبب حكما بفوضى دستورية قد تفرز البلد طائفيا وتزيد في حدّة الإنهيار وتدفّق اللاجئين والنازحين، وتعطّل أي إحتمال لتسوية حدودية بحرية مع إسرائيل والقرار الدولي بجعل الإستقرار عنوانا رئيسا لشرق الحوض المتوسطّي، المنصة المستقبلية للغاز.

مقالات ذات صلة