لبنان

أيّام حرجة… معظم المناطق اللبنانية ستدخل في دائرة “الخطر الشديد”!

ذكر موقع “الحرة” أنّ معظم المناطق اللبنانية تدخل خلال الأيام والأسابيع المقبلة، في دائرة “الخطر الشديد” نتيجة الظروف المناخية المؤاتية في هذه المرحلة من العام، لاندلاع الحرائق وتمددها وتحولها إلى كوارث بيئية كالتي شهدتها البلاد خلال الأعوام الـ3 الماضية.
وأدت حرائق العام الماضي إلى خسائر فادحة قدرت بـ360 مليون متر مربع، تشكل نحو 10 في المئة من المساحات الخضراء في لبنان البالغة نحو 3660 مليون متر مربع، وتمثل 35 في المئة من مساحة لبنان.

وفي هذا الإطار يشرح رئيس “الحركة البيئية اللبنانية” بول أبي راشد أن حريق القبيات وحده حمل خسائر تناهز خسائر العام الماضي كله، “وهذا يعطينا صورة عن مدى تفاقم المشكلة في لبنان”.

ويضيف أن “مراقبة الخرائط المنشورة لأماكن خطر اندلاع الحرائق، تشير إلى واقع أخطر، حيث نلاحظ أن الحرائق التي اعتدنا ان تتركز في أماكن منخفضة الارتفاع عن سطح البحر، باتت تتجه نحو أعلى المناطق في لبنان عن سطح البحر، وهنا نتحدث عن أحراش وغابات الأرز والمحميات”.

ومطلع الشهر الحالي، شهد لبنان حريقاً غير معتاد لناحية موقعه الجغرافي، حيث طال محمية أرز تنورين التي تمثل قيمة طبيعية وبيئية ومعنوية كبيرة للبنان الذي يتخذ من شجرة الأرز رمزاً وطنياً يتوسط علمه.

يقول أبي راشد “ولولا الجهود المبذولة والتكاتف بين شبان المنطقة والدفاع المدني والجيش اللبناني، لاحترقت المحمية بأكملها في لمح البصر”.

وخسرت المحمية نتيجة الحريق الذي استمر 3 أيام، نحو هكتارين من مساحتها البالغة نحو 150 هكتاراً، وذلك بسبب الصعوبات التي واجهت فرق الإطفاء والمتطوعين، لناحية امتداد النيران إلى أماكن وعرة يصعب الوصول إليها واخمادها، فضلاً عن الرياح التي ساهمت في تمدد النيران واندلاعها من جديد، إضافة إلى الضباب الذي عرقل وصول طوافات الجيش اللبناني للمساعدة.

هذا الأمر لم يكن يحصل في الماضي، بحسب أبي راشد، “لأن العوامل المناخية ما كانت تسمح باندلاع الحرائق في الأماكن المرتفعة”، ويضيف “من هنا نعلم اننا دخلنا في تغير مناخي جدي وحقيقي مخيف يمكن أن يطيح بكل شيء، حيث لم يعد هناك خطوط حمراء، فمحمية أرز الشوف على سبيل المثال تتعرض للمرة الثانية لتهديد النيران، بعدما وصلت الحرائق إلى حدودها في مناطق باتر ونيحا”.

ويرى أن هذا العامل المناخي المستجد، بالإضافة إلى كل العوامل السابقة “تجعلنا في حالة رعب من المستقبل المقبل على المساحات الخضراء في لبنان”.

وتظهر البيانات الدورية للمديرية العامة للدفاع المدني، حجم الحرائق التي يسجلها لبنان في مدى زمني قصير (24 – 48 ساعة)، وفي آخر بيان للدفاع المدني فقد سجل 35 حريق في 24 ساعة، فيما البيان السابق كان قد سجل 40 حريقاً.

هذه الأرقام كبيرة نسبة للمعدل اليومي المسجل للحرائق في لبنان، والذي يبلغ نحو 10 حرائق في اليوم ونحو 300 حريق في الشهر، وفق رئيس شعبة الخدمة والعمليات في الدفاع المدني منصور سرور.

ويشرح سرور أن ما يسجل ليس كله حرائق غابات وأحراش، بل تتوزع على حرائق سيارات، ومنازل ومصانع وكهرباء وغيرها. مضيفا أن عدد الحرائق المسجلة في لبنان لهذا العام حتى الان لا تزال ما دون المعدل السنوي.

ويستدرك سرور مشيراً إلى أن موسم الحرائق يبدأ من منتصف شهر سبتمبر وحتى منتصف شهر نوفمبر، حيث يبلغ الجفاف أقصى مراحله وتترافع مع مراحل الحصاد، وبالتالي لا يمكن التنبؤ بنتائج هذا العام قبل تخطي هذه المرحلة الدقيقة.

معظم الحرائق.. مفتعلة
وكان لبنان قد شهد حرائق كبيرة عدة منذ بداية موسم الصيف، إلا أنها جاءت في توقيتها من خارج موسم الحرائق، وهو ما يدفع باتجاه استبعاد الأسباب المناخية والطبيعية، حيث يرى رئيس شعبة الخدمة والعمليات في الدفاع المدني أن معظم الحرائق التي اندلعت في الآونة الأخيرة “هي حرائق مفتعلة وليست لأسباب طبيعية أو متعلقة بالمناخ”.

ويلفت إلى أن المديرية العامة للدفاع المدني تصدر بيانات تحذيرية باستمرار في ظل موجات الحر استناداً إلى مدى ارتفاع مؤشر حرائق الغابات، وذلك وفقاً لنشرة احتمال اندلاع حرائق الغابات التي تستند على مراقبة المناطق عبر الأقمار الصناعية ودراسة الأرض والمناخ والرياح، “لذا ننصح الناس بعدم اشعال النار في تلك المناطق بسبب المخاطر، لكن ارتفاع الحرارة وحده ليس مسبباً أساسياً للحرائق، علماً أن بعض الحرائق في الغابات الكبيرة مثلا تكون بسبب تساقط أوراق الأشجار التي تتفاعل مع العوامل المناخية، ما يؤدي إلى افراز كميات كبيرة من غاز الميثان من شأنها ان تؤدي إلى اندلاع حرائق أيضاً”.

وكانت جمعية “الأرض لبنان” التي يترأسها أبي راشد، قد أطلقت في الأيام الماضية حملة توعوية لناحية دور الإنسان في التسبب بالحرائق، وركزت الحملة في انطلاقتها على تأثير رمي السجائر في الطبيعة، بكونها تمثل شرارة أولى للحرائق.

وفي هذا السياق يؤكد أبي راشد أن هناك كثير من مسببات الحرائق الانسان مسؤول عنها وليس فقط السجائر، ويضيف “بدأنا بموضوع السجائر لأنه بات من الواضح أن معظم الحرائق التي تندلع على الأوتوسترادات وجوانب الطرقات وتتمدد إلى داخل المساحات الخضراء، معروفة الأسباب، وأغلبها بسبب رمي أعقاب السجائر.

رمي السيجارة يحمل رمزية لكل التصرفات العشوائية وغير المسؤولة التي يمارسها الناس وتؤدي في نهاية الأمر إلى كوارث بيئية وحرائق مدمرة، بحسب ابي راشد.
ويتابع: “هناك مزارعون يعمدون إلى تعشيب أرضهم فيستسهلون إشعال الحشائش اليابسة دون الالتفات إلى خطورة الأمر، لاسيما في ظل وجود رياح، حيث سرعان ما تتمدد النيران من الأراضي الزراعية إلى الغابات والأحراش والبساتين”.

ويحمل أبي راشد مسؤولية كبيرة للبلديات التي ترمي النفايات في مناطق نائية ضمن نطاقها، “أحيانا تشتعل المكبات من تلقاء نفسها وأحيانا أخرى تحرق عن عمد للتخلص من الروائح، وفي هذه الأماكن النائية سرعان ما يتحول إلى حريق يمتد في المساحات الخضراء المجاورة.”

الخبير البيئي يشرح أن الظروف المؤاتية لاندلاع الحرائق لا تتوفر كل يوم، “ولكن حين تتوفر عناصر الحر والجفاف والرياح، تكفي شرارة واحدة في هذه الظروف ان تتحول إلى حرائق ضخمة. حتى كثرة الزجاج في الطبيعة يرفع احتمالات أن تتسبب بالحرائق، ولكن هذه الاحتمالات جدا ضئيلة وباتت شماعة ترمى عليها الحرائق المفتعلة من الانسان”.

تجار الفحم والحطب

وأدى الارتفاع الكبير في أسعار المحروقات، الناجم عن الازمة الاقتصادية التي يشهدها لبنان منذ 3 أعوام، إلى لجوء نسبة كبيرة من المواطنين لخيار التدفئة على الحطب، الذي وإن لم يكن مبيعه اليوم أرخص من المحروقات، ولكن تجاره يجدون في غابات لبنان وأحراشه مصدراً مفتوحاً ومجانياً لجمع الحطب وقطعه، ما يحقق لهم أرباحاً كبيرة.

العامل الأخير التي يتطرق إليه رئيس “الحركة البيئية اللبنانية” هو عامل الحرق عن قصد، الذي يختلف عن الأسباب المفتعلة عن غير قصد، حيث يمثل هذا السلوك الرعب الأكبر بالنسبة لأبي راشد، “خاصة في ظل الأوضاع الحالية، حيث بات هناك من يتعمد إحراق أحراش من أجل تبرير قطع الأشجار بعد احتراقها، لكون القانون يمنع قطع الشجر الأخضر، مع ان قانون الغابات واضح حيث يحظر قطع الأشجار في المناطق المحترقة، وذلك منعا لافتعال الحرائق بهدف القطع، وبالتالي حتى ما يجري اليوم هو مخالف للقانون بكل الأشكال”.

من جهته يؤكد سرور أن المسبب الأول للحرائق هم تجار الفحم والحطب، مضيفا أن المشكلة ازدادت في السنوات الماضية بسبب الأحوال المعيشية الصعبة التي دفعت بالناس إلى مختلف الأساليب لتوفير بعض الأموال.

تأثيرات الأزمة الاقتصادية

إلا أن تأثيرات الأزمة لا تقتصر فقط على الحرائق المفتعلة، بل تصل أيضاً إلى قدرة السلطات والمعنيين على مكافحة الحرائق بعد اندلاعها، والوقاية المسبقة منها.

وبحسب سرور، يتأثر الدفاع المدني اللبناني بالأزمة الاقتصادية في لبنان كما غيره، “حيث يواجه مشاكل كبيرة في التجهيزات اللوجستية وصيانة المركبات، فالمركبة التي تتعطل تصبح خارج الخدمة بسبب عدم القدرة على صيانتها، فيما الاعتمادات المخصصة لذلك لا تكفي لتسديد هذه التكاليف، حتى أنه بات من الصعب تحمل التكاليف التشغيلية كالمحروقات مثلاً اللازمة لتشغيل المركبات والتنقل”.

ويلفت إلى أن هناك بعض المتبرعين الذين لا يرضون بواقع الدفاع المدني في بعض المناطق فيبادرون للتبرع والمساعدة.

فضلا عن ذلك بالنسبة فإن الغالبية الساحقة من عناصر الدفاع المدني هم من المتطوعين (8589 متطوعاً)، يؤدون المهام الموكلة إليهم بالرغم من الظروف القاهرة التي ترخي بثقلها على البلاد، وفق سرور، والتي تحول دون تمكنهم من تحمل أعباء كلفة التنقلات للوصول إلى المراكز، ومع ذلك فإنهم يسارعون لتلبية نداء الواجب الوطني والانساني دون أي تأخير”.

يذكر أن هناك نسبة كبيرة من المتطوعين في الدفاع المدني، يطالبون بتثبيتهم كموظفين، وهو ما من شأنه أن يبدل في ذهنية العمل لدى الدفاع المدني، من الشكل التطوعي إلى الشكل الوظيفي الذي من شأنه أن يكون أكثر إنتاجية والتزاماً على صعيد المهمات المناطة بهم.

وفي هذا السياق يلفت سرور إلى أن ملف تثبيت المتطوعين قد بلغ مراحل متقدمة باتت معلومة لدى الجميع، وما أن يصل إلى خواتيمه المرجوة ستكون الجهوزية في كافة المراكز الإقليمية والعضوية”.

مقالات ذات صلة