هل تنقذ مقاربة إعادة هيكلة المصارف الاقتصاد؟
كتب علي زين الدين في “الشرق الأوسط”:
يُرتقب ضم بند إعادة هيكلة الجهاز المصرفي قريباً إلى لائحة الأولويات التي تستعجل الحكومة اللبنانية إعداد مقارباتها، في البعدين التشريعي والتنفيذي، ضمن مسار تنفيذ التعهدات المدرجة في الاتفاق الأولي مع بعثة «صندوق النقد الدولي»، بعدما قطعت الشوط الأول، عبر إقرار التعديلات المطلوبة على قانون السرية المصرفية، ومجموعة القوانين ذات الصلة بتوسيع نطاق الشفافية، في متابعة الحسابات والمساءلة.
وكشف مصرفي كبير لـ«الشرق الأوسط»، أن المنهجية الجديدة التي يتبعها رئيس الحكومة، نجيب ميقاتي، وعمادها التنسيق المسبق مع السلطات والهيئات الممثلة للقطاعات المعنية بالاستجابة لشروط «الصندوق»… «بدأت تثمر نتائج عملية، ولا سيما لجهة التعاون الإيجابي من قبل مرجعية السلطة التشريعية الممثلة برئيس مجلس النواب نبيه بري، واستطراداً إلى اللجان النيابية، وفي طليعتها لجنة المال والموازنة التي تحث وزارة المال على تسريع إعداد التعديلات القريبة إلى الانتهاء من الصيغة المكتملة والمحدثة لمشروع قانون موازنة العام الحالي، كتوطئة لرفعه إلى الهيئة العامة للمجلس قبل نهاية الشهر الحالي».
ورغم ضيق مهام «تصريف الأعمال» للحكومة المستقيلة، ترتفع الآمال بتمدد التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية إلى بلورة مخارج قانونية تفضي إلى إعداد مشاريع القوانين المتبقية من حزمة الشروط الدولية، وخصوصاً منها مشروع وضع ضوابط استثنائية على الرساميل والتحويلات (كابيتال كونترول)، الذي يمهد الطريق للشروع بوضع مقاربات مطلوبة تستهدف معالجة ميزانية «البنك المركزي» وهيكلياته التنظيمية والرقابية وإصلاح أوضاع المصارف، بما يشمل تحديد مصير الودائع من الفئات كافة، وتحديد المهل الزمنية لتمكين أصحابها من الحصول عليها، بدءاً من خط الحماية الذي حددته الحكومة عند 100 ألف دولار.
ووفقاً لمندرجات الاتفاقية الأولية، تجب موافقة الحكومة على استراتيجية إعادة هيكلة البنوك التي تقر مقدماً بالخسائر الكبيرة التي تكبدها القطاع وتعالجها، مع حماية صغار المودعين والحد من الاستعانة بالموارد العامة. كذلك تجب موافقة البرلمان على تشريع طارئ ملائم لتسوية الأوضاع المصرفية على النحو اللازم لتنفيذ استراتيجية إعادة هيكلة البنوك والبدء في استعادة صحة القطاع المالي، وهو ما يُعد عاملاً جوهرياً لدعم النمو، فضلاً عن الشروع في تقييم أكبر 14 بنكاً، كلّ على حدة، بمساعدة خارجية، من خلال التوقيع على نطاق التكليف مع شركة دولية مرموقة.
وبرز، في هذا السياق، لقاء رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مع رئيس جمعية المصارف سليم صفير، الأسبوع الماضي، حيث تم التأكيد على أهمية إبرام اتفاق مع «صندوق النقد الدولي»، وعلى ضرورة إشراك القطاع المصرفي في خطط إعادة هيكلته.
وبموجب خطة الحكومة التي يجري العمل على تحديثها، عبر تعديلات مهمة وعد بها ميقاتي، فإن التقييم الذي سيطال نحو 83 في المائة من إجمالي أصول المصارف الأكبر حجماً، يستهدف تحديد متطلبات الرسملة سنداً إلى تقييم الخسائر وبنية الودائع، عن طريق لجنة الرقابة على المصارف لكل بنك على حدة، على أن يتم استخلاص النتائج في الموعد المبدئي المحدد بنهاية شهر أيلول المقبل.
وتالياً، سوف يتم الطلب من المساهمين السابقين أو الجدد أو كليهما الالتزام بضخ رأسمال جديد في البنوك التي سيتم تصنيفها «قابلة للاستمرار» بناء على التحليل الرقابي لخطط العمل، فيما يجري حل البنوك غير القابلة للاستمرار عن طريق الإجراءات الفورية التي سوف تُطبَّق بمقتضى القانون الطارئ لإعادة هيكلة البنوك، مع التنويه بأن المعيار الهيكلي سيكون منجزاً في نهاية شهر تشرين الثاني من العام الحالي. أما على المدى الأبعد، فثمة التزامات بتعزيز الإطار التنظيمي للقطاع المصرفي، بما يشمل مراجعة التشريعات المصرفية الأساسية وأطر الإشراف والحل وتأمين الودائع، من أجل المحافظة على سلامة النظام المصرفي، وإعادة الثقة فيه إلى مستوياته المعهودة.
ويؤكد الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف، سمير حمود، أن «الأزمة النقدية الحالية غير عصية على الحل، بيد أن الحلول لا يمكن أن تتعارض مع الدستور وهوية لبنان في النظام الحر والحفاظ على الملكية الخاصة»، لافتاً إلى أن «المدخل الصحيح للحل هو الاعتراف بالمشكلة ومقاربة الحل من الرأس والأساس وليس من الأطراف بأسلوب الترقيع وتقطيع الوقت»، علماً بأن الأزمة النقدية تحمل ثلاثة أوجه، هي: أزمة مصارف، وأزمة مودعين، وأزمة سعر صرف وأنظمة دفع.
ويعتبر حمود أن «المصارف حالياً هي واقعياً في حالة التوقف عن الدفع، وتخضع للقانون 2-67 وأن مفاعيل القانون 110-91 والقانون 192-93 لم تعد وافية للمعالجة. وفي المقابل، فإن وضع المصارف في خانة التوقف عن الدفع مرده إلى أن أموالها لدى (مصرف لبنان) أو سندات الدين على الدولة غير قابلة للتسييل السهل لمواجهة السحوبات من المودعين بالدولار الأميركي، بينما تتلخص أزمة المودعين في أن الأعراف والتسميات الجديدة بالدولار المحلي والسحب بالليرة على أسعار مصطنعة تتعارض مع القوانين، وتنتهي إلى سلبهم مدخراتهم وجنى عمرهم».
ويوضح في حديث مع «الشرق الأوسط»، أن أزمة سعر الصرف تشير إلى اختلال النظام النقدي، والعودة إلى أنظمة الدفع النقدي الورقي، في حين يتجه العالم إلى أنظمة الدفع الرقمي أو حتى الافتراضي. وبالإضافة إلى ذلك، تفقد الليرة أهم عناصر الأمان لها في استعمالها عملة ادخار وإقراض وتسعير للقيم المادية والمعنوية.
بالتوازي، وإذ لا يمكن معالجة سعر الصرف قبل إعادة تكوين القطاع المصرفي، واستتباعاً لن يكون بالإمكان الانتقال من أنظمة الدفع الورقية ما لم يتم تكوين شبكة دفع محلية موحدة بالعملة الوطنية القابلة للتحويل والتحاويل بحرية وسهولة، يقترح حمود سلّة من الخطوات الإجرائية التي تفضي إلى إعادة الثقة بالقطاع، كمدخل موجب إلى إعادة الودائع واستقرار سعر الصرف والالتزام بهوية لبنان التاريخية؛ فلا مصادرة للملكية الخاصة، ولا أسواق موازية، ولا ملاحقة بوليسياً، بل حرية في التحويل والتحاويل.
وتشمل هذه الخطوات المقترَحة من قبل الرئيس السابق للرقابة المصرفية، فتح باب الترخيص لمصارف رقمية برأسمال بالعملة الأجنبية، ووقف المقاصة الداخلية بالعملة الأجنبية، مع حصر التحصيل النهائي من خلال الحسابات في الخارج، وعدم الإيداع لدى «مصرف لبنان» بالعملة الأجنبية، مع حرية «مصرف لبنان» في تحديد وتنظيم السيولة للمصارف بجميع العملات.
كما يقترح إنشاء شبكة دفع محلية بيومترية بالعملة المحلية مع قبول السداد من خلال البطاقات الدولية، وفقاً لأسعار الصرف المحلية، مع حرية التحويل التلقائي، وإصدار بطاقات رقمية وبيومترية تكون مؤونتها بالدولار الأميركي وتستعمل داخلياً وخارجياً، وإصدار بطاقات رقمية وبيرومترية تكون مؤونتها بالليرة غير قابلة للتحويل إلى الدولار تلقائياً، وتُستعمل للتسديد المحلي، وتصفية مراكز القطع يومياً من خلال صندوق قطع يديره «مصرف لبنان» بحسابات محلية بالليرة وبالأجنبي لدى المراسلين.