الهواتف الذكية.. هكذا تسيطر على حياتنا
غزت التكنولوجيا كل جوانب حياتنا، واستطاعت تغييرها بطرائق عديدة، فمن التعليم الإلكتروني إلى الطب الرقمي وليس انتهاء بالزراعة الرقمية والمطابخ السحابية، فقد صارت الشاشات جزءا أساسيا من حياة البشرية وأصبح من الصعب جدا الاستغناء عنها.
ولعل أحد أهم تجليات الثورة الرقمية هي الهواتف الذكية التي دخلت جميع جوانب حياتنا وغيّرت أساليب عيشنا، بما تحويه من تطبيقات ومنصات ومواقع ووسائل تواصل اجتماعي وغيرها كثير.
وتظهر آخر الإحصائيات الدولية المقدار الهائل من الأهمية لهذه الهواتف في حياتنا، فحسب منصة “ستاتستا” (Statista) يبلغ العدد الحالي لمستخدمي الهواتف الذكية في العالم اليوم 6.648 مليارات شخص، وهذا يعني أن 83.72% من سكان العالم يملكون هاتفا ذكيا، ويرتفع هذا الرقم بشكل كبير عن عام 2016 عندما كان هناك 3.668 مليارات مستخدم فقط، أي 49.40% من سكان العالم في ذلك العام.
إدمان الشاشات
وهناك أسباب كثيرة وراء هذه الزيادة الكبيرة، ولعل واحدا من أهمها شركات التكنولوجيا الكبرى التي تمتلك أدوات وآليات وصناعة جبارة تدفع المنتجات المصممة خصيصا كي تسبّب الإدمان في مجتمع استسلم إلى حد كبير للمعايير والإلحاح والتوقعات التي أنشأتها كل هذه الهواتف والشاشات.
وما يدعو للأسف أن إدمان الشاشات بتجليها الأكبر وهو الهواتف الذكية انتشر بين جميع الأعمار من الكبار إلى الصغار والمراهقين وحتى الأطفال، فالكل يحدّق في هذه الأجهزة، ويقضي ساعات طوال عاكفا عليها قد تكون أكثر من عدد الساعات التي يمضيها الإنسان في النوم.
الدكتورة أدريانا ستيسي طبيبة نفسية تعمل بشكل أساسي مع طلاب المدارس الثانوية والجامعات في مدينة فايتفيل بولاية أركنساس الأميركية، وأثناء عملها تطلب بشكل روتيني من المرضى الجدد فتح هواتفهم وإظهار مقدار الوقت الذي يقضونه أمام الشاشة يوميا.
تقول ستيسي “نادرا ما أجد واحدا منهم تقل المدة التي يقضيها على جواله عن 9 ساعات، لذلك يمضي هؤلاء الأشخاص وقتا على هواتفهم أكثر مما يقضونه في النوم”، وذلك كما ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” (Washington Post) في تقرير حديث لها.
هل نستطيع البعد عن هواتفنا؟
هذا ما قررت فعله البريطانية دولسي كاولينج (36 سنة) في نهاية العام الماضي حين راودتها فكرة مفادها أن التخلص من هاتفها من شأنه تحسين صحتها العقلية وإنقاذ حياتها التي شارفت على الجنون بسبب هذه الهواتف. ولذلك، وفي عيد الميلاد، أخبرت عائلتها وأصدقاءها أنها ستترك هاتفها الذكي وتعود إلى استخدام جهاز “نوكيا” (Nokia) القديم الذي يمكنها به فقط إجراء واستقبال المكالمات والرسائل النصية، وذلك حسب ما ذكرت شبكة “بي بي سي” (BBC) أخيرا.
تتذكر كاولينج أن إحدى اللحظات المحورية الحاسمة التي أدت إلى قرارها كانت قضاء يوم في المتنزه مع طفليها اللذين يبلغان من العمر 6 أعوام و3 أعوام، فتقول “كنت أتصفح هاتفي المحمول في ملعب للأطفال، ونظرت من حولي فوجدت جميع الآباء والأمهات في الحديقة، كان هناك نحو 20 شخصا يحدقون في هواتفهم، ولا ينتبهون لأطفالهم وماذا يفعلون، ولا يشاركونهم اللعب”.
وتتابع “وضعت الجوال جانبا وفكرت: متى حدث هذا؟ الجميع تفوتهم الحياة الحقيقية، الجميع يعيش في عالم آخر بعيدا تماما عن الواقع، وسألت نفسي: ترى إذا وصلت إلى فراش الموت، هل سأفكر بأنه كان يجب علي أن أقضي وقتا أطول على تويتر، أو أقرأ مزيدا من الأخبار على الإنترنت، أو أشاهد مزيدا من الأفلام على يوتيوب؟”.
إن السؤال الذي طرحته السيدة كاولينج مهم جدا، بل قد يكون الأهم: هل سنتذكر تويتر وفيسبوك وسناب شات في لحظاتنا الأخيرة في هذه الحياة، أم سنفكر بتلك الحياة التي أضعناها أمام الشاشات؟
لقد أنقذت السيدة كاولينج صحتها العقلية ومن ثم حياتها حين قررت الابتعاد مرة واحدة وللأبد عن هذه الهواتف المسماة بالذكية، وننصح الجميع بالاقتداء بالسيدة كاولينج التي أعادت اكتشاف الحياة بعيدا عن رعب الشاشات.
وإليكم 6 أسباب لتفعلوا ذلك، وتكسبوا ما تبقى من صحتكم وحياتكم، وذلك كما ذكرت منصة “إنردرايف” (innerdrive)، استنادا إلى دراسة علمية حديثة حول الموضوع، وجدت أن الهواتف الذكية المحمولة تسبب العديد من الاضطرابات النفسية التي تؤثر بشدة على صحة البشر وسلامتهم العقلية والجسدية، ومنها:
قلة التركيز و الخوف
الاستخدام المفرط للهواتف الذكية يؤدي إلى ضعف التركيز، فيمكن أن يؤدي إخراج هاتفك أثناء دراستك أو عملك أو أداء واجباتك المنزلية إلى جعل الأداء أسوأ بنسبة 20%. ويؤكد الباحثون أن “مجرد وجود الهاتف الخلوي قد يكون مشتتا للانتباه بدرجة كافية لإلحاق الضرر بعملك أو دراستك”.
ويعاني كثير من البشر كبارا أو صغارا من الخوف نتيجة أعباء الحياة الكبيرة والمتراكمة، وتزيد هذه المشكلة عند الشباب وطلاب المدارس والجامعات بسبب عدم اليقين الذي يرافق مرحلة المراهقة وبداية الشباب، وقد تفاقم هذا الأمر مع الهواتف الذكية وظهور وسائل التواصل الاجتماعي، فتولّدت حاجة قهرية لمعرفة ما يفعله الآخرون، مع زيادة في القلق والتوتر، وغالبا ما يفحص هؤلاء هواتفهم بشكل متكرر سواء أثناء الدراسة لدى صغار السن أو أثناء العمل لدى الكبار.
وكل هذا الفحص المتكرر للهاتف هو نتيجة القلق والتوتر، فكأن أحدهم ينتظر رسالة ما أو شيئا ما ينقذه من توتره وقلقه، وقد زاد وجود الهواتف الذكية من هذه الظاهرة بشكل كبير.
ومن حسن الحظ، هناك طرائق للتغلب على هذا الخوف، مثل التركيز على اللحظة الحالية، وتجنب القيام بمجموعة مهام دفعة واحدة، وتقليل الوقت المخصص لوسائل التواصل الاجتماعي.
النسيان وفقدان الذاكرة
تعمل الرسائل الهاتفية والإشعارات على تشتيت الانتباه على نحو يؤدي إلى نسيان كثير من المهام، ويحدث معنا كثيرا أن نطلب من أولادنا القيام بمهمة ما، ولكنك تفاجأ أن ابنك نسي تماما ما طلبته منه.
وتشير بعض الدراسات إلى أن النسيان وانخفاض الذاكرة يرجع في أحد أسبابه إلى الموجات المنبعثة من الهواتف المحمولة، وهو الأمر الذي يفسر مشكلة النسيان التي يعاني منه كثير من البشر المدمنين على جوالاتهم وهواتفهم.
نظرة مشوهة
معظم مدمني الهواتف الذكية إن لم يكونوا كلهم مدمنون أيضا على تصفح وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وقد أثبتت الدراسة السابقة أن هذه الوسائل تقدم نظرة مشوهة للواقع. فلا يوجد أحد سعيد كما يبدو على فيسبوك أو حكيم كما يظهر على تويتر، ونحن بطبيعتنا نقارن بين حياتنا وواقعنا بهذه الحقائق المزيفة وبأولئك الأشخاص الذين نعتقد أنهم سعداء وحكماء، وهي مقارنة مرهقة نفسيا وذهنيا وتسبب التعاسة والشعور بالدونية وتعزز الخوف من الفشل.
الصحة النفسية
الاستخدام المفرط للهواتف المحمولة يضرّ بصحتك النفسية، ويؤدي إلى زيادة القلق والشعور بالوحدة وتدنّي احترام الذات، كما يمكن أن يؤدي الاعتماد على الهواتف المحمولة أيضا إلى الانزعاج والإحباط ونفاد الصبر عندما لا يمكن استخدامها.
الأرق وقلة النوم
يؤدي استخدام الهاتف يوميا مدة تزيد عن 20 دقيقة في المرة الواحدة إلى ضعف جودة النوم ومدته، وأولئك الذين يحتفظون بهواتفهم المحمولة في غرفة النوم ينامون أوقاتا أقصر من أولئك الذين لا يفعلون ذلك، وأحد الأسباب يكمن في أن سطوع الإضاءة الخلفية على هاتفك يؤخر إفراز هرمون النوم “الميلاتونين” (melatonin) فيجعلك مستيقظا مدة أطول.
وللنوم بسهولة أكبر ينصح بوجود جدول نوم منتظم، وممارسة الرياضة قبل النوم بساعتين، أو الاستحمام بالماء الساخن، والأهم تجنب الشاشات بما فيها الهواتف المحمولة قبل النوم، ووضع هذه الهواتف خارج غرفة النوم هو الحل الأمثل.
وربما كان الأفضل من كل هذا الاستغناء عن هذه الهواتف تماما كما فعلت السيدة كاولينج، ولكن هل نستطيع؟”الجزيرة”