التحقيقات في الحرائق المفتعلة: من أين بدأت النار؟
كتبت جنان الخطيب في “الأخبار”:
التحقيق الجنائي في أي جريمة يتطلب مهارات وامكانيات علمية وعملية للوصول الى الحقيقة. في حوادث الحرائق، تكون الأمور أكثر صعوبة لأن الحرائق بطبيعتها مدمّرة وتلتهم الأدلة أثناء اندلاعها، فيما غالباً ما يجري العبث بمسرح الحادث قبل وصول المحققين، إما عمداً بتدخل الجاني، او بطريقة غير مقصودة بسبب إجراءات «الاستجابة الأولى للحريق» وأعمال الإطفاء والاسعاف. وكل هذا، يعيق التحقيقات ويجعل سبب الحريق أكثر غموضاً. وإضافة الى أهمية التأهيل العلمي والدعم التدريبي، هناك مهارات مختلفة يفترض توافرها في المحققين في هذه الحوادث.
للتحقيقات الجنائية في حوادث الحرائق أهمية خاصة بسبب الخسائر المادية والبشرية والمخاطر الناتجة عنها، لا سيما خطر افلات الجاني من العقاب. لذلك، تلعب المهارات العلمية والعملية للمحققين دوراً أساسياً في فهم سبب الحريق واكتشاف نقطة بدايته وتحديد أنماط النار وسلوكها، خصوصاً في الحرائق المتعمّدة التي قد يلجأ الجناة فيها إلى طمس الأدلة لإعطاء انطباع بأنها عرضية او نتيجة إهمال.
الركيزة الأهم في تحقيقات الحرائق هي التعرف إلى نمط الحريق وتحليله وتحديد ظروف اللهب والدخان (الحجم واللون والارتفاع والموقع والاتجاه الذي تتحرك فيه النيران). ورغم ان أسباب الحرائق مختلفة، الا انها كلها تخضع للمبادئ العلمية الكيميائية والفيزيائية نفسها. لذلك، فإن فهم أنواع الأنماط التي يتم إنتاجها أثناء الحريق والعوامل التي تؤثر على إنتاجها، يمنح المحقق العوامل العلمية التي يبني عليها آراءه.
يقوم المحققون في حوادث الحرائق بفحص مكان الحريق لجمع الأدلة المادية مثل المسرعات (accelerants)، أو أنماط حرق معينة، أو مواد مستخدمة في بداية الحريق، ما قد يشير إلى نشاط إجرامي.
في كثير من الحالات، يكمن «مفتاح التحقيق» في تحديد مصدر الحريق. لكن، لا بد من أخذ عوامل عدة في الاعتبار عند تحديد نقطة بداية الحريق، كموقع المستوى الأعلى للحرق (قمة النمط على شكل حرف V) والمستوى الأدنى، ومنطقة الضرر الأكبر، وموقع رواسب الدخان على الجدران، وغيرها. بمجرد تحديد نقطة منشأ الحريق، يمكن للمحقق ومحللي المختبر تحديد سببه. وتشمل الدلائل التي يمكن للمحقق تقييمها لتحديد سبب الحريق، لون الدخان ولون اللهب والروائح الموجودة في مكان الحادث، كما يمكن استخدام الاختبارات الكيميائية الميدانية لتحليل الأدلة المادية كنوع المسرعات التي تم استخدامها لبدء الحريق على سبيل المثال.
عموماً، تشتعل النيران لفترة أطول عند نقطة البداية أو بالقرب منها، وبالتالي فإن الضرر الأكبر يكون في هذه النقطة، وعادةً ما يتم العثور على سبب الحريق فيها، سواء كان عرضيًا أو عمداً. تحديد نقطة البداية يساعد في تأكيد أو نفي أقوال الشهود أو المشتبه بهم وغيرهم. وعلى المحقق، في نهاية المطاف، تحديد ما إذا كان الحريق قد بدأ عمداً. وقد يشير ما يلي إلى إحراق متعمد: علامات الدخول بالقوة إلى المبنى، مؤشرات على ارتكاب جريمة أخرى في المبنى، أدلة على جهود لإعاقة وصول رجال الإطفاء إلى المبنى، العبث بقوارير الغاز أو الأجهزة الكهربائية في المبنى وغيرها.
وبسبب الطبيعة المدمرة للنار، قد يكون من الصعب الحصول على أدلة، ما يعني أن على المحققين تحليل مسرح الحادث بحذر شديد، وتجنب الاحكام المسبقة والخلاصات المتسرعة. وهناك خطوات عدة في التحقيق في الحرق العمد، بدءاً من الوصول إلى مكان الحادث وحتى الانتهاء من التحقيق.
الوصول إلى مسرح الحادثة
هناك أمور عدة ينبغي تقييمها في مسرح الجريمة، مثل وجود ضحايا مرئيين، والأضرار الناجمة عن الحريق، وأي شهود أو مارّة. يمكن لأي أمر يتم تحديده في هذه المرحلة الأولية أن يساهم في التحقيق. ومهما كانت التفاصيل صغيرة، فإنها قد تضع المحققين على المسار الصحيح وتعطيهم ملامح أولية حول ما إذا كان الحريق متعمداً أو عن غير قصد.
في ما يتعلق بالهجوم المباشر، على المستجيبين توخي الحذر من أي أجهزة حارقة أو متفجرة. ومن المهم أيضًا أن يكونوا على دراية بأي أجهزة قابلة للاشتعال داخل المبنى، مثل قوارير الغاز أو الأجهزة الإلكترونية التي قد تنفجر. بمجرد أن يقيّم المستجيبون المشهد، يمكنهم بعد ذلك التصرف بشكل مناسب، من خلال إخماد الحريق، وإخراج المدنيين من المبنى، والتأكد من أن البيئة المحيطة آمنة.
على أول المستجيبين:
– تقييم المشهد لمخاطر السلامة (على سبيل المثال، الانهيار الهيكلي للمبنى؛ الدخان، المخاطر الكهربائية أو الكيميائية أو البيولوجية، المخاطر الصحية الأخرى).
– إنشاء مناطق السلامة / الخطر.
– إبلاغ المخاطر إلى الأفراد الآخرين الذين يصلون إلى مكان الحادث.
– استخدم أدوات ومعدات الحماية الشخصية المناسبة للمهمة في كل العمليات.
تقييم المشهد
يتم وضع شريط تحذيري حول منطقة مسرح الجريمة، ما يساعد في حجبها عن الجمهور ومنع أي تدخل جنائي محتمل للعبث بمسرح الجريمة وطمس الأدلة. عند تقييم المشهد، يدوّن المحققون ملاحظات بصرية لأي دليل، مثل الدم وأصل الحريق.
توثيق المشهد
تستلزم هذه الخطوة تدوين ملاحظات مادية والتقاط صور وتسجيل مقاطع فيديو. يسمح ذلك بتخزين الحالة الأصلية للمشهد بشكل دائم في حال وجود أي تلاعب بالأدلة، ويمكن استخدامها لاحقًا في التحقيق للبحث عن القرائن والأدلة التي قد تفوت المحقق في الموقع.
معالجة الأدلة
على المحققين البحث عن أي مواد يرون أنها ذات صلة بالتحقيق وجمعها والحفاظ عليها وحمايتها من التلوث. في حالة الحرق المتعمد، قد تكون هذه المواد أسلحة أو عبوات ناسفة أو أي شيء آخر يمكن أن يمنح المحققين نظرة ثاقبة في ما يتعلق بأصل الحريق.
تخزين العينات
من المفترض أن تكون الحاويات المستخدمة لتخزين العينات محكمة الإغلاق ونظيفة لتجنب أي فقدان أو تلوث للأدلة. لا يمكن استخدام الأكياس والحاويات المصنوعة من البولي إيثيلين إذ يمكن أن تنبعث منها بعض أنواع الشوائب التي تدمّر الأدلة. لذا فإن أفضل الحاويات وأكثرها استخدامًا هي العلب المعدنية المحكمة الاغلاق.