هل اقتربت مشاورات تأليف الحكومة من الحسم؟
كتب محمد شقير في “الشرق الأوسط”:
تدخل المشاورات الجارية بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف بتشكيل الحكومة نجيب ميقاتي لتهيئة الظروف والشروط السياسية لولادتها، في مرحلة حاسمة، ولم يعد من مبرر لتمديدها؛ لأن لا مصلحة للبلد في هدر الوقت، بينما الأزمات الكارثية إلى مزيد من التراكم، وباتت في حاجة ملحة إلى توفير الحد الأدنى من الحلول والانتقال بها إلى مرحلة التعافي، شرط التزام الحكومة بدفتر الشروط الذي تعهدت به أمام المجتمع الدولي، للوصول بالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي إلى النتائج الإنقاذية المرجوّة منها لإبقاء البلد على قيد الحياة.
فاللقاء التشاوري المرتقب بين عون وميقاتي يُفترض أن يكون حاسماً، وهذا يتوقف على مدى استعداد الأول للتعاطي بإيجابية مع التشكيلة الوزارية التي تسلّمها من الرئيس المكلف، والتي يراد منها تطعيم حكومة تصريف الأعمال بوزراء من الوجوه الجديدة، من دون أن يقفل الباب في وجه مطالبة عون بإدخال بعض التعديلات عليها، برغم أن الصلاحيات المنوطة بميقاتي تجيز له اختيار أسماء الوزراء.
وينقل أحد الوزراء عن ميقاتي قوله بأنه حاضر للتشاور مع عون في أي وقت، شرط ألا تبقى المشاورات تراوح في مكانها من دون حصول أي تقدم؛ خصوصاً أن ضيق الوقت لا يسمح بتمديدها إلى ما لا نهاية. ويؤكد أن الرئيس المكلف لا يؤيد توسيع الحكومة برفع عدد الوزراء من 24 وزيراً إلى 30 وزيراً، من بينهم 6 وزراء دولة يتم اختيارهم من السياسيين.
ويدحض الوزير نفسه، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، ما يتردد من أن الرئيس المكلف يتوخى من التشكيلة الوزارية التي سلمها إلى رئيس الجمهورية حشر عون في الزاوية، ليبادر إلى رفضها بغية تثبيت حكومة تصريف الأعمال وتفعيلها، بذريعة أن لا مصلحة له في تأليف حكومة جديدة. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «إذا كان مثل هذا الادعاء صحيحاً، فما على عون إلا أن يتجاوب معه لاختبار نياته حول مدى استعداده لتشكيل حكومة جديدة».
ويكشف أن ميقاتي لم يتمسك في اجتماعه الثاني مع عون بالتعديلات التي اقترحها، وأبقى الباب مفتوحاً أمام تبادل الآراء، على قاعدة عدم موافقته في الإبقاء على الوزير وليد فياض في وزارة الطاقة، واستبدال وزير آخر به ينتمي إلى «التيار الوطني الحر» الذي يتصرف كما يشاء من خلال وصايته على الوزارة في ملف إعادة تأهيل قطاع الكهرباء.
ويضيف الوزير نفسه أن ميقاتي يبدي انفتاحه للتداول بأي اسم لتولّي حقيبة الطاقة، وبالتالي لا يتمسك بإسنادها إلى وليد سنو، شرط أن يكون البديل هو الشخص المؤهل لإعادة تأهيل قطاع الكهرباء. ويقول بأن ميقاتي لا يمانع أيضاً أن يتولى وزارة الاقتصاد الخبير المالي رفيق حدادة الذي كان عون قد سماه شخصياً ليكون في عداد الفريق المفاوض مع صندوق النقد الدولي، كما لا يمانع عدم توزير النائبين سجيع عطية وجورج بوشيكيان إذا كان إبعادهما يدفع باتجاه الإسراع في تهيئة الأجواء لتأمين ولادة الحكومة.
ويلفت إلى أن إصرار ميقاتي على عدم «تخصيص» وزارة الطاقة لوزير ينتمي إلى «التيار الوطني» لا يعود إلى موقف شخصي من رئيسه النائب جبران باسيل، وإنما إلى فشل جميع الوزراء المحسوبين عليه في إصلاح قطاع الكهرباء، منذ أن تولى آلان طابوريان المحسوب عليه وزارة الطاقة في أول حكومة شُكّلت عام 2005، برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة، حتى اليوم. ويقول بأن من نتائجها العملية التمديد للعتمة بدلاً من تحقيق الزيادة المطلوبة للتغذية بالكهرباء.
ويسأل الوزير: هل المطلوب مكافأة «التيار الوطني» على «إنجازاته» الكهربائية في الإبقاء على وزارة الطاقة من حصته، وتحت إدارة وإشراف وصاية باسيل أو من ينتدبه لإدارة هذا القطاع من وراء الستار؟ وهل يستطيع عون الدفاع عن موقف وريثه السياسي الذي أخفق في إعادة تأهيل قطاع الكهرباء، وباتت الشكوى عامة من التمديد للعتمة التي تشمل معظم المناطق اللبنانية بدرجات متفاوتة؟
ويرى أن المشاورات حول تشكيل الحكومة مفتوحة على اشتباك سياسي، إذا لم يتدارك عون الأمر ويبادر إلى التعاطي بإيجابية مع التشكيلة التي تسلّمها من ميقاتي، وهي خاضعة للتعديل شرط عدم الالتفاف عليها بمطالبته بتوسيعها بضم 6 وزراء دولة يتمتعون بنكهة سياسية؛ لأن توسيعها يعطّل تشكيلها، ليس بسبب وجود صعوبة في اختيارهم، وإنما لأن مجرد الاستعانة بهم يعني حكماً أنهم سيتصرفون على أنهم «سوبر وزراء» يعود لهم القرار السياسي، وهذا ما يفقد الحكومة الانسجام المطلوب؛ لأن هناك وزراء من الفئة الأولى وآخرين -وهم أكثرية- من الفئة الثانية.
وفي هذا السياق، يقول مصدر سياسي بارز لـ«الشرق الأوسط»، إنه يدعم موقف ميقاتي برفضه الاستعانة بوزراء دولة، حتى لو كانوا من غير العيار الثقيل. ويؤكد أن ذريعة عون بتوفير الغطاء السياسي للحكومة في تصديها للتحديات التي تنتظرها، ما هو إلا كلام حق يراد به باطل، ويتوخى من مطالبته تعويم باسيل، مع أنه كان قد رفض تسمية تكليف ميقاتي بتشكيل الحكومة، وأعلن امتناعه عن عدم المشاركة فيها أو منحها الثقة.
ويسأل المصدر السياسي: كيف سيتم اختيار وزراء الدولة؟ ومن هي القوى السياسية المستعدة للمشاركة في الحكومة، ما دام حزبا «القوات اللبنانية» و«الكتائب اللبنانية» ليسا في وارد الاشتراك في حكومة كهذه؟ وهذا ما ينسحب على «اللقاء الديمقراطي» وإن كان يتمايز عنهما باستعداده لمنحها الثقة، شرط أن تأتي ببيان وزاري غير تقليدي، وبتركيبة وزارية قادرة على الانتقال بالبلد -ولو تدريجياً- إلى مرحلة الانفراج. كما يسأل عن موقف النواب المستقلين، وعلى رأسهم المنتمون إلى القوى التغييرية، وكانوا قد قالوا كلمتهم بعدم المشاركة في الحكومة.
ويرى المصدر نفسه أن ليس في وسع عون أن يتذرّع بالثنائي الشيعي لتبرير مطالبته بتوسيع الحكومة، ويعزو السبب إلى أنه لا يبدي حماسة، ولا يرى من مبرر لمثل هذه الخطوة ما دامت حصته محفوظة في الحكومة، ويؤكد أن ما يهم عون إعادة تعويم صهره، وهو يحاول تهيئة الظروف السياسية التي تسمح له بأن يطبق بقبضته على الحكومة، وصولاً للضغط على ميقاتي لمعاودة التواصل معه، برغم أنه يدرك مسبقاً أن الظروف تغيّرت، وأن ميقاتي هو من يختار الوزراء ويتشاور في الأسماء مع عون، على قاعدة تعاطيه بمرونة معه دون المساس بالإطار العام للتشكيلة، لقطع طريق الإطاحة بها تحت عنوان تشكيل واحدة «جامعة» لا وجود له، في ظل إحجام المعارضة عن المشاركة.
لذلك، فإن الكرة في مرمى عون، فهل يتعاطى بانفتاح بما يسمح بأن يؤدي اجتماعه المرتقب في أي لحظة بميقاتي إلى تصاعد الدخان الأبيض الذي يبشّر بولادة الحكومة؟ وإلا فلا مجال أمام تفعيل حكومة تصريف الأعمال، وبالتالي يحتفظ ميقاتي في جيبه بالتكليف ما يقطع الطريق على البحث في البدائل.
وعليه، يسأل المصدر السياسي: ما صحة ما يتردد من أن عون أعاد طرح مبدأ المداورة في توزيع الحقائب وعينه على استبدال وزير آخر بوزير الداخلية بسام مولوي، رغم الإنجاز الذي حققه في إجراء الانتخابات النيابية، ودوره في رعايته لقوى الأمن الداخلي في مكافحتها لتهريب المخدرات؟ وهل لما يشاع على هذا الصعيد من علاقة بالمرسوم الخاص بمنح الجنسية الذي يتحضّر عون لإصداره، في ضوء ما يقال من أنه يمتنع عن التوقيع عليه، مع أن ميقاتي ليس في وارد تمريره؛ لأنه يحمل عدداً كبيراً من أسماء المستفيدين منه، وهذا ما يخضعه إلى القيل والقال، وصولاً إلى وضع أكثر من علامة استفهام حول العدد الأكبر من المستفيدين منه؟