انا آسف او “Sorry”… لماذا يتجنب البعض قولها؟
“أنا آسف” إحدى العبارات الأولى التي نتعلم أن نقولها كأطفال، ومع ذلك فإن بعض البالغين يرفضون الاعتذار حتى عندما يكونون مخطئين بشكل واضح. ولكن لماذا؟
يجد بعض الناس صعوبة كبيرة في الاعتذار لدرجة أن حملهم على الاعتراف حتى بأصغر خطأ ينطوي على معركة كبرى، وغالبا ما تكون غير مثمرة.
وفقا لموقع “سيكولوجي توداي” (psychologytoday) فإنه على الرغم من أننا قد ننظر إلى إحجام البعض عن تقديم الاعتذار على أنه مجرد دفاع أو فخر، فإن هناك ديناميكية نفسية أعمق تلعب دورا في كثير من الأحيان “غالبا ما يعكس رفض الاعتذار الجهود المبذولة لحماية الشعور الهش بالذات”.
بالنسبة لغير المعتذرين، فإن قول “أنا آسف” يحمل تداعيات نفسية أعمق بكثير مما توحي به الكلمات نفسها. فهي تثير مخاوف ورغبات أساسية، سواء كانت واعية أو غير واعية، تتمثل في التالي:
الرغبة في السيطرة
وفق دراسة جديدة أجراها خلال العام الحالي جوشوا آر جيلفويل وزملاؤه من جامعة يورك الكندية، فإن ذلك يرتبط بحاجة هذا الصنف من الناس إلى القوة فهم لا يمكنهم تحمل فكرة أن شخصا آخر يتخذ القرارات وأنهم مدينون له باعتذار. ويمكن تفسير رغبتهم في الخطأ بحقك ثم عدم رغبتهم في الاعتذار من خلال هذه الرغبة البسيطة في السيطرة.
يحبون أنفسهم ولا يهتمون بالآخرين
يولي غير المعتذرين اهتماما أقل بالآخرين من حولهم مقارنة باهتمامهم بأنفسهم، لذا فهم لا يلاحظون حتى أنهم قد أساؤوا إلى شخص آخر. كذلك يكون لديهم “رغبة عالية التركيز على الذات لتجنب التهديدات المرتبطة بالاعتذار”.
أشار باحثو يورك كذلك إلى أن أولئك الذين يرتكبون الخطأ في حق الآخرين يريدون حماية صورتهم، إما عن طريق الظهور بمظهر الأبرياء أو إيجاد طريقة لإلقاء اللوم على شخص ما آخر.
الاعتذار يهدد هويتهم
الاعتراف بارتكاب مخالفات يهدد غير المعتذرين بشدة لأنهم يجدون صعوبة في فصل أفعالهم عن شخصيتهم. إذا اعترفوا بأنهم فعلوا شيئا سيئا فهذا يعني أنهم سيئون، وإذا كانوا مهملين فربما هم أنانيون وغير مهتمين، وإذا كانوا مخطئين فلابد أنهم جاهلون أو أغبياء. لذلك تمثل الاعتذارات تهديدا كبيرا لشعورهم الأساسي بالهوية واحترام الذات.
الشعور بالعار وليس الذنب
قد يفتح الاعتذار الباب أمام أغلبنا للشعور بالذنب، ولكن بالنسبة لغير المعتذرين فإنه يفتح الباب للشعور بالعار. وفي حين أن الشعور بالذنب يجعلنا نشعر بالسوء حيال أفعالنا، فإن الخزي يجعل غير المعتذرين يشعرون بالسوء تجاه أنفسهم. وهذا يجعل العار عاطفة أكثر تسمما من الشعور بالذنب.
الخوف من المزيد من الاعتذارات
بينما يعتبر معظمنا الاعتذار فرصة لحل الخلافات الشخصية، يخشى غير المعتذرين أن يؤدي اعتذارهم إلى فتح الباب على مصراعيه لمزيد من الاتهامات والصراع وأنه بمجرد أن يعترفوا بارتكاب خطأ ما فمن المؤكد أن الشخص الآخر سينتهز الفرصة لفتح الباب أمام الجرائم السابقة التي رفضوا الاعتذار عنها أيضا.
لا يريدون تحمل المسؤولية كاملة
يخشى غير المعتذرين أنه بالاعتذار سيتحملون المسؤولية الكاملة ويعفون الطرف الآخر من أي ذنب، وهذا غير مقبول بالنسبة لهم.
لماذا تعتذر النساء أكثر؟
ربما سمعت أن النساء يعتذرن أكثر من الرجال، وتظهر الدراسات أن هذا صحيح أيضا حيث إنه في المتوسط، تقول النساء إنهن يشعرن بالأسف أكثر من الرجال.
وفقا للدراسات فإن قلة اعتذار الرجال قد لا يكون لها أي علاقة بالعناد، ولكن بالأفكار المختلفة حول نوع السلوك الذي يشكل في الواقع جريمة جديرة بالاعتذار.
عندما يعتقد الرجال أنهم ارتكبوا خطأ، فمن المرجح أن يعتذروا مثل النساء. ولكن يبدو أن النساء لديهن درجة أدنى للسلوك الذي يستدعي الاعتذار.
فحصت دراسة نشرت عام 2010 في مجلة “سايكولوجيكال ساينس” (Psychological Science) كيف يتباين اعتذار الرجال والنساء. في إحدى الدراسات، احتفظ طلاب الجامعة بمذكرات على الإنترنت لمدة 12 يوما لتوثيق ما إذا كانوا قد اعتذروا أو فعلوا شيئا اعتقدوا أنه يتطلب اعتذارا.
كما قاموا بتتبع عدد المرات التي اعتقدوا فيها أن الآخرين مدينون لهم بالاعتذار. وجدت الدراسة أن كل من الرجال والنساء اعتذروا بنسبة 81% عندما اعتقدوا أن أفعالهم كانت مسيئة. لكن النساء كانت أكثر عرضة للإبلاغ عن كونهن ضحايا لسوء المعاملة وأنه يتوجب على الطرف الآخر الاعتذار.
في دراسة ثانية، صنف الطلاب الجامعيون مدى خطورة سوء تصرف معين وأهمية تقديم الاعتذار مثل إيقاظ شخص في وقت متأخر من الليل والتسبب في ضعف أدائه في مقابلة اليوم التالي.
وقد صنفت النساء هذه الأنواع من التصرفات على أنها أكثر خطورة مقارنة بالرجال. كانت النساء أيضا أكثر ميلا لقول إن هذا التصرف يستحق الاعتذار.
طرق تفكير مختلفة بين الرجال والنساء
وفقا لموقع “إنك” (inc) فإن هذه النتائج لا تعني أن طرق التفكير الخاصة بالبعض صحيحة والأخرى خاطئة، ولكنها مختلفة تماما. وكلما زاد فهم الرجال والنساء لبعضهم البعض في علاقاتهم الشخصية والمهنية، كان بإمكانهم العمل معا بشكل أفضل.
ربما يجب على النساء التفكير في عدد مرات الاعتذار، فقد يؤدي قول أشياء مثل “آسف لم أرد على رسالتك النصية على الفور.. أنا آسف لأنني لم أعد إليك سريعا بشأن طلبك” إلى تعزيز فكرة أنك فعلت شيئا خاطئا. قد يتسبب ذلك في الشعور بالذنب المفرط واللوم الذاتي السام. وقد يؤدي ذلك إلى تدمير ثقتك بنفسك، مما قد يؤدي بدوره إلى مزيد من الاعتذارات.
من ناحية أخرى، يجب على الرجال إعادة التفكير في كيفية تأثير سلوكهم على من حولهم. هل هناك أوقات قد تكون فيها قد جرحت شخصا ما، وإن كان ذلك غير مقصود، وقد يكون هناك ما يبرر الاعتذار؟
يتطلب الأمر قدرا معينا من القوة العقلية للاعتراف عندما تكون مخطئا. قد يؤدي رفض الاعتراف بأخطائك إلى الإضرار بعلاقاتك، وقد يكون الاعتذار في كثير من الأحيان المفتاح للحفاظ على علاقات صحية على المدى الطويل.”الجزيرة”