ربط استعادة الودائع بالغاز… “هرطقة إقتصادية”
كتبت باتريسيا جلاد في “نداء الوطن”:
فجأة طالعتنا تسريبة تمّ فيها اجتراح حلّ “سريالي” من نسج الخيال لسداد أموال المودعين، تقوم على تعهد الدولة بتخصيص نسبة 20 في المئة من صافي مداخيل استخراج الغاز والنفط (الموعود) لتغذية صندوق يُنشأ خصيصاً للمودعين، بحيث يتم منح كل مودع حصة بنسبة مئوية تتناسب مع حجم وديعته المصرفية، بتحقيق أرباح في حال اكتشاف كميات تفوق تلك المتوقعة حالياً، أو في حال ارتفاع سعر الغاز والنفط عالمياً.
صحيح أن لبنان يملك كمية وفيرة من النفط الازرق تصل حسب الدراسات الى 32 تريليون قدم مكعب وقد تزيد بناء على معطيات الحفر على ارض الواقع، ومع ارتفاع سعر الغاز قد تصل قيمتها الى 500 مليار دولار، ولكن استخراج تلك المادة صعب المنال وإن تمّ السماح للبنان باستخراجها فلن نلمس “أي فلس” الا بعد نحو 10 سنوات، ومن هنا فإن ربط استعادة الودائع بها كمن يتعلق بحبل في الهواء.
واذا تمكنا من الوصول الى مرحلة استخراج الغاز والنفط، يقول رئيس لجنة الرقابة على المصارف السابق سمير حمود لـ”نداء الوطن” عندها يكون “كُتب للبلد أن يستعيد عافيته من جديد، ويعطي سمعة جيدة للبنان ويترك ارتياحاً لدى الناس، وكل ما يُحكى عن صندوق سيادي أو نفط أو غاز ليس له معنى”.
واعتبر حمود أنه “لا توجد موارد يجب على الدولة أن تكون متخصصة بها وانما يجدر أن تستعيد عافيتها بمواردها كلها، فتصبح قادرة أولاً، على إحداث فائض بالموازنة، وثانياً بميزان المدفوعات وثالثاً بقدرتها على سداد التزاماتها من فجوة مصرف لبنان وتعود الحركة الى طبيعتها، لذلك لا أحد يعتبر أن هذا الجزء أو ذلك الجزء سيكون له وقع ايجابي، فمالية الدولة كلّ لا يتجزأ وهي تواجه التزاماتها ككل وهدفها يجب أن يكون تحقيق فائض”. ويضيف: “بغض النظر عما اذا استطعنا أن نستخرج الغاز أو لا، فإن تطلّعنا يجب أن ينصبّ على تحقيق فائض في ميزان المدفوعات وفي موازنة الدولة، فلنركز على تلك الأمور لتكون في المسار الصحيح”.
بدوره اعتبر الخبير الإقتصادي في النفط والغاز وتنمية الموارد البشرية فادي جواد في تعليقه لـ”نداء الوطن” عما يحكى حيال إنشاء صندوق نفطي لسداد أموال المودعين، أنّ هذا الأمر مجرد “هرطقة اقتصادية وبمثابة رمي كرة الفشل لتحميلها الى ثروة لبنان القادمة من النفط والغاز”، لافتاً الى أن ردّ أموال المودعين تارة من النفط وطوراً من أصول الدولة من خلال أملاكها ومؤسساتها الخدماتية “قرارات استثمارية خاطئة”، ورأى أنّ “هذا التدبير الكارثي هو تكملة لمسلسل هدر سيطال ثروة قادرة على نقل لبنان إلى مصاف الدول الاقتصادية العصرية”، محذراً من “سيناريو نفطي شبيه بسيناريو الكهرباء الذي كلف الخزينة 40 مليار دولار، إذ يجب ألا نسمح بجر الثروة النفطية الى مستنقع الانهيار الاقتصادي بل يجب ان تكون المغذي للبنان الجديد بوجه يشابه التطورات المعيشية والتكنولوجية للبلدان المجاورة، التي قطعت لبنان بأشواط بينما لبنان يغرق وينهار بسبب قرار المنظومة الحالية، التي لن تتوانى عن اللعب بأي مصدر مالي قادر على تمكينها من نهب المزيد من مقدرات البلد”.
أما البروفسور والباحث في الشؤون الماليّة والاقتصاديّة مارون خاطر فأكّد لـ”نداء الوطن” أن “الكلام عن استعمال عائدات الغاز لسداد الودائع بمضمونه وتوقيته هو محاولة إلهائيّة مشبوهة تهدف الى نسف الحلول الواقعيَّة، فبالإضافة إلى الحاجة إلى فترة طويلة لاستخراجه وبيعه بشكل مستدام، يشكّل الغاز معضلة داخليّة وإقليميّة ودوليّة تجعل منه كنزاً دفيناً مدفوناً الى أجل يبدو بعيداً لأسباب لوجيستيّة وسياسيَّة معقَّدة”، لافتاً إلى أنّ “استخراج الغاز وبيعه يحولان لبنان دولة نفطيَّة ما يجعل من الودائع تفصيلًا لا يحتاج الى وعود وعهود والتزامات كما يُشاع”. وأضاف: “نظرياً، يساهم استخراج النفط بإنتعاش الإقتصاد والمصارف والإستثمارات فَتُحَل معه غالبيّة المعضلات، أما عملياً فنسأل: هل يصمد الإقتصاد والمصارف والمودعون 10 سنوات بانتظار أحلام يبدو تحقيقها ممنوعاً؟ أليس من الأفضل العمل لمدة عشر سنوات عوض إنتظار الأفق البعيد ليقترب؟ إن كان الغاز والنفط يشكلان أمل أجيالنا، فالأحرى بنا أن نلاقي الأمل بالعمل وأن نتلافى الإنتظار القاتل، فلنعمل على إرساء إستقرار سياسي يؤمن الإصلاح ومكافحة الفساد وضبط الحدود وبسط سيادة الدولة… وليكن هذا “نفطنا الفوري” الضامن الحقيقي لثروات الأرض”.