هذا الأمر لا يتحمّله لبنان… مولوي: فخور بما قمت به
كتبت “الراي” الكويتية:
قبْل المبادرة الكويتية وبعدها، لم يكن مولوي يكلّ أو يملّ في حربه على تهريب المخدرات، إلى دول مجلس التعاون وسائر الدول العربية. وتصدّى بجرأةٍ لأنشطةٍ في لبنان شكّلتْ اعتداء لفظياً على دول الخليج.
وهو لم يتوانَ أمس رداً على الاعتداءات الحوثية على السعودية، عن وصْف استهداف أمن المملكة بأنه «استهداف إرهابي واضح ومباشر للشرعية العربية»، مؤكداً «نقف كما كنا دائماً إلى جانب السعودية في التصدي للتحديات التي تواجه أمننا العربي المشترك وفي وجه أي اعتداء يطال سيادة المملكة وأمنها بما يخالف القوانين والمواثيق الدولية».
وفي حوار خاص مع «الراي»، أطلق وزير الداخلية اللبناني مواقف من النوع الذي «لا يجرؤ عليه الآخَرون» حول العلاقة مع دول الخليج ومندرجات المبادرة الكويتية، وحيال بعض قضايا الساعة في لبنان.
وفي ما يأتي نص الحوار:
لاحتْ في الأفق بارقة أمل حيال إمكان تنقية العلاقات اللبنانية – الخليجية بدليل البيانين اللذين صدرا عن الخارجية السعودية ونظيرتها الكويتية. ما الذي أفضى فعلياً إلى هذا الاختراق في جدار أزمةٍ بدا سميكاً؟
– لم أشك يوماً بنقاء العلاقة اللبنانية – الخليجية وبياضها وبأن دول الخليج التي احتضنت لبنان وحرصت على مصالحه يمكن أن تسمح بأي جدارٍ، سميكاً كان أو غير سميك، يعترض علاقة لبنان بمن أسميْتُها «دول الفضل وأهل الخير» أو أن تسلّم بجدارٍ غير قابل للاختراق.
علاقة لبنان بدول الخليج هي علاقة شقيق أصغر بشقيق أكبر، على الأصغر أن يتحلى بالوفاء.
وما من شك في أن الأكبر يتحلّى بالحكمة وحُسْن القرار وصوابيته، وهو ما عوّدتنا عليه القيادة الخليجية، ولذا فإنني لا أسمي ما حصل «اختراقاً» بل هو نهج دائم يقوم على احتضان دول الخليج للبنان.
ولم يكن يساورني أي خوف من أن هذه الدول ستترك لبنان، لاقتناعي الراسخ بحكمة القادة في السعودية والكويت والإمارات، وفي سائر دول مجلس التعاون، وبأن مواقفهم تصب دائماً في مصلحة لبنان.
… ما قصدته هو السؤال عن الوقائع التي استجدت وأدت إلى كسر الصمت بين لبنان ودول الخليج عقب أزمة كان من نتائجها استدعاء السفراء قبل أن تطلق الكويت مبادرة خليجية بدعم عربي – دولي لاحتوائها؟
– ما حصل واصطُلح على تسميته بـ «الأزمة» سببه مُحِقٌّ من الناحية السعودية والخليجية. فمن حق دول مجلس التعاون الإضاءة على ما يصيبها من أذى ويلحق بها من ضرر نتيجة سلوك جهة معينة أو مجموعة بعيْنها من لبنان.
فمن قضية الوزير جورج قرداحي، إلى الوقاحة في تهريب المخدرات إلى دول «الفضل والخير»، مروراً بما تضمّنتُه الورقة الكويتية عن الوقاحة في «الاعتداء اللفظي والفعلي» على دول الخليج التي تحب لبنان… كلها وقائع دفعت السعودية ودول الخليج إلى القول، وعن حق، إن ما هكذا يُبادَل الحرصُ على لبنان ومحبته والوقوف الدائم إلى جانبه، بأذى هذه المجموعة وضررها، وخصوصاً أن المملكة والكويت ودول الخليج الأخرى لم تميّز بين اللبنانيين، وخيرُها عمّ الجميع وكانت لها مساهمات كبيرة في الإعمار.
وحتى في حرب تموز 2006 ساعدت وبنت، إضافة إلى أن اللبنانيين المقيمين في الخليج والذين يعملون في دوله، هم من جميع الفئات والطوائف، كما أن الإخوة الخليجيين عندما يصطافون في لبنان يقيمون في جميع المناطق ويعمّ خيرهم على الجميع.
من حق السعودية وسواها من دول الخليج، رفْع الصوت والقول إنها تتعرض للأذى من مجموعات أو من سياسات لجهاتٍ في لبنان تؤيد وتناصر المُسيَّرات والصواريخ التي تعتدي على المملكة ودولة الإمارات وتهدّد أمن الآمنين فيهما.
ما قام به لبنان، أو ما قمتُ به في لبنان لم يكن أكثر من واجبي، وبحسب الدستور الذي يؤكد على هوية لبنان وانتمائه العربييْن، وبحسب القانون الذي يمنع التعرّض للدول العربية وتعكير الصلات معها ويعاقب على ذلك، ويمنع تهريب المخدرات وتوجيه الأذى اللفظي للدول الشقيقة ولحكامها… قمتُ بذلك وأنا مقتنع بما فعلتُ وسأبقى أقوم بذلك دفاعاً عن الدولة التي بالنسبة إلينا هي إيمان مطلق وخيار لا يعلوه أي غبار.
عندما قمتُ بما يُمْليه عليّ ضميري وواجبي، في مكافحة تهريب المخدرات ومنع الأنشطة المؤذية لدول الخليج، كنت أُسأل عما إذا كانت لديّ ضمانات بعودة العلاقات مع السعودية والكويت وسواهما إلى سابق عهدها، وكنت أردّ بأنني أقوم بواجبي وأطبّق القانون والدستور ليس إلا، ولا أطلب أي ضمانات ولم أفكّر بها، وتالياً ما حُكي عن اختراق، هو قرار سعودي وقرار كويتي، ولم يخطر على بالي للحظة إنهما سيتخليان عن لبنان.
تكثر الأسئلة عن هذا الاختراق وتوقيته، هل هو نتيجة ما قام به وزير الداخلية أو رئيس الحكومة أو أنه ثمرة لدور فرنسي… أنا أقول إن ما حصل هو قرار سعودي وكويتي وخليجي كنتُ على اقتناع انه سيحصل.
نحن علينا القيام بواجبنا والكف عن التذاكي وكأننا نملي على الآخَرين، وعندها لا يبادلنا الأشقاء إلا العناية والخير.
فنحن إلى جانبهم وإلى جانب أمن مجتمعاتهم، فهذه مصلحتنا.
هل أنتم مُطْمَئنون إلى ما قمتم به في مجال كبح عمليات تهريب المخدرات إلى دول مجلس التعاون الخليجي؟
– أنا فخور بما قمت به في ميدان منْع تهريب المخدرات إلى الدول العربية وسأواصل هذا الجهد دائماً، لكن هل أنا مُطْمَئن؟ لا اطمئنان في الأمن الذي يحتاج إلى متابعة وحذر، وأيُّ اطمئنانٍ في المجال الأمني في شأنه أن يؤدي إلى ثغر.
فهمّنا الدائم والأكيد هو منع معاودة تهريب المخدرات إلى الدول العربية وقطع دابر استهدافها وإلحاق الأذى بها، وعملنا سيكون متواصلاً لضمان استمرار نجاحنا في هذا المجال.
كانت لافتة جدّيتكم ومثابرتكم على مستوى منع الأذى اللفظي عن دول الخليج عبر أنشطة ومنتديات مناهضة لها…
– ما قمنا به هو تطبيق للقانون والدستور، فالأذى اللفظي كالأذى الفعلي يلحق الضرر بالنفوس رغم حصانة المجتمعات في دول الخليج العصية على هذه الحملات من بعض المنتديات التي لا تسيء إلى دول الخليج بقدر ما تسيء إلى لبنان وإلى منطق الدولة في لبنان، وإلى أمنه المجتمعي.
المبادرة الكويتية التي شكلت نقطةَ ارتكازٍ في المساعي التي بُذلت أخيراً، تضمّنت 12 بنداً… هل لبنان قادر على تنفيذ التزامات ينبغي الوفاء بها؟
– المبادرةُ الكويتية المشكورة هي ورقة خليجية، بحسب ما أخبرني معالي وزير الخارجية الكويتي الدكتور أحمد الناصر الذي شرّفني بزيارته للداخلية.
وللكويت الفضل في حمْل هذه المبادرة وبذل الجهود، كما دول الخليج الأخرى، من أجل إعادة العلاقات مع لبنان إلى سابق عهدها.
لإعادة العلاقات مع الخليج إلى ما نصبو إليه، ينبغي إصلاح الخلل المرتبط بالجانب الداخلي في لبنان. ويجب أن نقرّ بأن الخلل سببه بعض المجموعات وبعض السياسات، وبعض المجرمين تجار المخدرات.
اطلعتُ على الورقة الكويتية ومضمونها القابل للتطبيق عبر قرار صريح وواضح وحاسم بتنفيذ القانون والدستور والالتزام بقرارات الشرعية الدولية. علينا ألا نستحي عندما نقول إنه يجب تطبيق قرارات الشرعية الدولية، لأن احترام الشرعية الدولية واجب، في القانون الدولي كما في القانون المحلي، كما علينا التقيد بمقتضيات الشرعية العربية التي تؤمّن المظلة لكل تطور سياسي إيجابي في لبنان. يجب أن نُطبِّق قرارات الشرعية الدولية، وأن نستظلّ الشرعية العربية.
في وزارة الداخلية حققتُ ما يعنينا من مضمون الورقة الكويتية، إن على صعيد منْع الأذى اللفظي والفعلي ومنْع أي نشاط لمنتدياتٍ في وجه دول الخليج وكل ما يتعلق بتصدير الأذى كالمخدرات… قمتُ بذلك منذ تسلُّمي الداخلية وزيارتي الأولى لجهاز أمن المطار، واستمررت في القيام بذلك، قبل الورقة الكويتية وبعدها، وسأقوم به دائماً.
أما في شأن النقاط السياسية فعلى الحكومة الاستجابة لها وهي قادرة ويجب أن يكون قرار الحكومة واضحاً وبلا أي تردد.
عندما حصل اعتداء على قوة «اليونيفيل» في جنوب لبنان كنتُ أول مَن أعلن موقفاً بضرورة جلاء الأمور. فالضمير اللبناني يجب أن يتعوّد على الوضوح والصراحة وقول الحق.
وكان موقفي واضحاً لجهة الالتزام بقرارات الشرعية الدولية، وواضحاً عندما طلبت من المحافظين (في الجنوب والنبطية) عقد اجتماعات ومجالس أمن فرعية تُمثَّل فيها القوى الأمنية والمواطنين، والتأكيد للمواطنين أن ما تقوم به «اليونيفيل» هو تطبيق لقرارات الشرعية الدولية وحماية السلم الأهلي إضافة إلى عملها الإنساني الكبير في خدمة البلديات والأهالي.
وأكدت على المحافظين الإبلاغ إلى البلديات أنها مسؤولة عن مناطقها وقراها وعن إحياء هذا الضمير المجتمعي إسهاماً في معرفة ما تقوم به قوات الأمم المتحدة على المستويين الإنساني والوطني، لأن فكرة الالتزام بقرارات الشرعية الدولية وتطبيقها ثقافة وممارسة يومية.
من هنا يجب تطبيق مندرجات الورقة الكويتية، ولست من دعاة المفاوضة في هذا الشأن والقول إن الأمر يحتاج إلى مسارٍ وما شابه.
المنطق الرسمي اللبناني روّج لمقاربةٍ جعلتْ من الالتزام بمندرجات المبادرة الكويتية والسلم الأهلي في لبنان كنقيضيْن…
– على الحكومة الالتزام بقرارات الشرعية الدولية وتطبيقها، وعلى الحكومة حماية السلم الأهلي وتأمين مقتضياته. المسألة ترتبط بالإرادة والفعل.
قرارات الشرعية الدولية التي صدرت لحماية لبنان وأهله لا تُعَرِّض السلم الأهلي للاهتزاز.
عندما منعتُ المنتديات المسيئة لدول الخليج وأزلتُ صوراً ولافتات مسيئة للسعودية والإمارات في بعض المناطق، لم يهتز الوضع الأمني ولا السلم الأهلي.
وعندما يكون المسؤول واضحاً وشفافاً وعادلاً لا خشية على السلم الأهلي. عندما تكون الدولة عادلة مع مواطنيها، في تعاطيها الاجتماعي والسياسي والأمني، وتحقيق مصالحهم وتكون على مكاشفة دائمة معهم، لا يهتز السلم الأهلي بل يبقى حصيناً.
رغم الترحيب السعودي – الكويتي ببيان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وتَوَقُّع عودة سفيريْ السعودية والكويت إلى لبنان والدعم الإنساني السعودي عبر الصندوق المشترك مع فرنسا، فإن السؤال هو ما الذي يحول دون تَطَوُّر العلاقة بالمعنى السياسي؟
– بدل أن نفكر بتطوير الموقف الخليجي، علينا التفكير بما يجب علينا القيام به وتطوير موقفنا على النحو الذي يخدم مصلحتنا في بناء الدولة وعدم إلحاق الضرر بمن يؤازرون لبنان ويحرصون عليه، فنحن معنيون بحماية مجتمعات أهلنا في الخليج والالتزام بشرعيتهم، أي بالشرعية العربية.
هكذا نطوّر موقفنا، لا في اتخاذ مواقف رمادية غير مفهومة.
يجب أن يبقى لبنان بلد الوفاء، وكل التقدير لقادة دول مجلس التعاون ولأشقائنا هناك.
«ساعِدوا أنفسكم لنساعدكم» عبارة ترددتْ على ألسنة مسؤولين في دول العالم، في وقت يمعن المسؤولون اللبنانيون في الاحتراب بـ «السلاح الأبيض» فوق سطح «التايتانيك»… ولعلّ ما يجري في الملف القضائي – المصرفي نموذجاً ساطعاً على ذلك…
– ما يحدث على الصعيد القضائي – المصرفي سببه عدم تطبيق القانون.
وقد طلبتُ في مجلس الوزراء من الجميع تطبيق القانون. وبهذه الطريقة نحن لا نحمي المصارف بل نحمي الناس، لا نحمي حاكم المصرف المركزي، إنما نحمي مؤسسة المصرف المركزي المسؤولة عن سلامة النقد الوطني.
هدفنا حماية الناس والوسيلة هي بالقانون وحُسْن تطبيقه والنظر إلى تداعيات كل قرار يُتخذ.
من غير المقبول أن يتخذ بعض القضاء قرارات غير قانونية وغير صحيحة وغير حكيمة وأن تكون قراراته متفلتة من أي ضوابط أو أي عقال.
القانون منطقٌ كُتب على ورق، فمن غير المقبول أن تصدر قرارات قضائية لا علاقة لها بالقانون وبالمنطق، أو أن تصدر قرارات انطلاقاً من خلفيات سياسية وانتقامية.
وعلى القاضي أن يكون متجرداً وأن ينظر إلى المتقاضين بالطريقة عينها، وإذا مال لأحدهم يكون خرج عن حياديته.
ولا يكفي أن يكون القاضي مقتنعاً بحياديته بل يجب أن يُقْنِع الغير بها.
ما يحصل من بعض القضاء لا علاقة له بالحيادية أو الوضوح أو الشفافية.
بعض القضاء واضح في كرهه لأحد الطرفين، والقاضي عندما يبدي كرهاً أو عداوة أو أي تصرف يُخشى معه الميْل (لأحد الطرفين) عليه أن يتنحى عن الملف وإلا وجب رده وكف يده.
وهذا ما ينص عليه القانون اللبناني كما كل قوانين العالم.
ما نراه اليوم هو جنوحٌ من القاضي نحو أحد الطرفين وكرهٌ لأحدهما، وهذا يجب ألا يكون في القضاء. ما يحصل خطير جداً وقد يؤدي إلى انفجار اجتماعي.
ففي نهاية شهر وبداية شهر جديد وعلى مشارف شهر رمضان المبارك، قد يؤدي إقفال المصارف بهذه الطريقة إلى خلل كبير في كل القطاعات سيُفْضي إلى عدم تمكن المواطنين والقوى الأمنية من قبض رواتبهم… هذا الأمر لا يتحمّله لبنان، فمن الخفة أن يتستروا وراء القانون لأن القانون منهم براء.