“إستراحة المحارب” والبدائل
كتب وليد شقير في “نداء اوطن”:
هل ان عزوف زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري عن خوض الانتخابات النيابية وتياره السياسي، هو الوجه الآخر لمقولة «فلنتركهم يحكمون لوحدهم» التي نادى فيها بعض القيادات، في مواجهة قدرة تحالف «حزب الله» ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون على تعطيل تشكيل الحكومات واجتماعاتها وشل عملها، وكذلك تعطيل الانتخابات الرئاسية، أم أنه التسليم بالعجز عن مواجهة التغييرات التي فرضها فريق لبناني في موازين القوى بقوة السلاح وبدعم إقليمي؟
سيطول الوقت قبل الحصول على جواب. لكن السؤال نفسه يستبطن القناعة بأن التراجع المتسلسل للقدرة على تصحيح المسار السلبي الذي أوصل البلد إلى ما هو فيه، بفعل أخذه نحو الانحياز إلى إيران في الصراع بين محورين دوليين وإقليميين على أرضه، لن يتوقف. سعي الحزب إلى ترسيخ ما حققه في عهد الرئيس عون من غلبة وإخلال بواقع البلد السياسي والطائفي، والبناء عليه سيتواصل ولن تثنيه لا المعارضة الواسعة لأجندته، ولا مفاعيل انكفاء الحريري السلبية التي تكشف مدى اختلال التوازن في التركيبة اللبنانية… وحصل كل ذلك تحت شعار أن لا أحد في البلد يستطيع فرض ما يريد على الآخرين، فيما كل ما حصل في السنوات الماضية هو فرض الحزب قراره على سائر الفرقاء.
خيار ترك المحور الإيراني يحكم الذي طُرح قبيل انتخاب عون للرئاسة، ثم أعيد طرحُه أكثر من مرة بسبب العراقيل التي وضعت أمام تشكيل الحكومتين الأوليين برئاسة الحريري في العهد العوني الذي بلغ مرحلة التقهقر، كان يتوخى تحميل مسؤولية انهياره لهذا المحور نظراً إلى الاعتقاد بأنه عاجز عن تلقف النتائج، أو حتى عن أخذ البلد شرقاً في ظل خصوصية فسيفسائه الداخلية وامتداداتها الخارجية. أما وأن البلد انهار ويسعى «حزب الله» لتوظيف انهياره لمصلحته في مواجهة توسع دائرة الشرائح الطائفية والاجتماعية التي تحمله هو المسؤولية، فإن ما بات مطروحاً هو كيف تتم إعادة لملمته ومن هي القوى الدولية والإقليمية التي باستطاعتها ذلك، وهل الأمر ممكن في ظل استمرار هيمنة الحزب على السلطة السياسية؟
السنتان الماضيتان بعد انفجار الأزمة الاقتصادية والمالية للبلد إلى درجة بات معها لبنان على عتبة أن يصبح دولة فاشلة، أثبتتا استحالة ذلك، بفعل المزيد من التدهور في أوضاعه الحياتية والمعيشية من جهة، وفي علاقاته العربية ولا سيما الخليجية من جهة ثانية، نتيجة إمعان الحزب في تحويله إلى منصة إيرانية من أجل تنفيذ أجندات الصراع على النفوذ في المنطقة.
ومع أن بعض الفرقاء يرون أن ما من نفوذ لدولة أجنبية ليس في لبنان فحسب بل في أي دولة أخرى، يمكن أن يدوم، فإن من المبررات التي سمعها بعض من ناقشوا الحريري في خياره الانكفاء عن المشاركة في الانتخابات النيابية، أن التجربة منذ العام 2005 أثبتت أن القواعد التي خاض وحلفاؤه هذا الاستحقاق على أساسها لم تعد صالحة من أجل إحداث تغيير في الوضع السياسي سواء في البرلمان أو في الحكومة. فالحريري يعتقد أن تياره وحلفاءه حصلوا على الأكثرية في انتخابات 2005، ثم في انتخابات عام 2009، لكن الحزب منع تلك الأكثرية من أن تحقق برنامجها أو طموحاتها. ولم يقتصر استخدام القوة على الحؤول دون أن تتمكن الأكثرية من أن تحكم، بل إن الحزب وحلفاءه هم الذي حكموا وسيطروا على السلطة، فما نفع خوض الانتخابات في هذه الحالة؟
حتى من ينقلون موقف الحريري لا جواب لديهم عما إذا كان اتخذه تطبيقاً لقاعدة فلنتركهم يحكمون، أم أنه تسليم بالعجز عن إحداث تغيير في وجهة الأمور، بسبب مهادنة الدول الكبرى للتمدد الإيراني في المنطقة، لأن الأولوية عندها التوصل إلى اتفاق على النووي وعودة واشنطن وطهران إليه.
يجنح الحريري إلى اعتماد أسلوب «استراحة المحارب»، طالما أن شباب وجمهور انتفاضة 17 تشرين رفعوا شعار «كلن يعني كلن»، فيفضل استكشاف ما سينجم عن هذا الشعار في صندوقة الاقتراع، والاكتفاء بالمراقبة والتفرج على كل ما سيحصل، من أجل استنباط ما يمكن القيام به في مرحلة لاحقة، يلفها الغموض.
هل من طريقة لملء الفراغ لا سيما على الصعيد السني، والذي سيتركه عزوف الحريري، أثناء استراحة السنوات المقبلة؟
رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة طرح فكرة أن يتولى رؤساء الحكومات السابقون آلية لتسمية مرشحين إما قريبين من «المستقبل» أو من الحلفاء، يبقي الحضور السياسي للتيار السيادي في الندوة البرلمانية، في ظل قرار زعيمه ألا يترشح، وعدم تشغيل ماكينته الانتخابية، إلا أن زعيم «المستقبل» لم يبدِ حماساً لها. وفي كل الأحوال ما زال النقاش بين السنيورة والحريري، في بدايته، واقتصر على اجتماع رؤساء الحكومات السابقين في دارة الرئيس نجيب ميقاتي مساء الجمعة الماضي، حول خيارات من هذا النوع. ويبدو أنه لن يسعى إليها إلا بالتفاهم مع الحريري نفسه، وبعد جولة مشاورات واسعة داخل الطائفة ومع الحلفاء…