لغز انفجار بيروت: لا نتائج قاطعة للأسباب بل توقيفات وتجهيل للمسؤوليات
كتب سعد الياس في “القدس العربي”:
بعيداً عن تعقيدات التكليف والتأليف وعن الجولة الأولى من المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل لترسيم الحدود البحرية، فإن قضية التحقيقات في الانفجار المزلزل الذي وقد في 4 آب/أغسطس وأودى بحياة أكثر من 191 شخصاً، وجرح 6500 وشرّد أكثر من 300 ألف مواطن نتيجة تدمير أحياء شرقية في العاصمة بيروت، لم تتضح صورتها بعد، وهذا ما دفع بالبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي إلى الاستغراب، والقول بكل صراحة “يقلقنا القضاء بصمته عن الأسباب والمسبّبين لانفجار المرفأ وإذا كان عدواناً أو عملاً إرهابياً أو إهمالاً”.
وعلى ضوء موقف الراعي، كانت زيارة قامت بها وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال ماري كلود نجم إلى بكركي حيث عرضت مسار انطلاق التحقيق العدلي من اللحظة الأولى مروراً بالإحالة إلى المجلس العدلي وتعيين محقق عدلي، ووعدت “أهالي الضحايا والجرحى وجميع المتضررين ان يكون التحقيق سريعاً ولكن غير متسرّع” مشيرة إلى “أن المحقّق العدلي ينتظر التحقيقات التقنية التي ستقدمها فرق الخبراء الأجانب من فرنسيين وبريطانيين”.
وكان المحقق العدلي فادي صوّان تسلّم تقرير المسح الميداني الذي قام به فريق المكتب الفيدرالي الأمريكي “FBI” في مسرح الجريمة والذي أفيد أنه لم يتوصّل إلى نتيجة قاطعة في أسباب الانفجار. وعلى الأرجح إن عدم التوصل إلى نتيجة حول طبيعة الانفجار مردّه تلاعب بمسرح الجريمة بعد أنباء عن دخول عناصر حزبية إلى حرم المرفأ بعد الانفجار والحديث عن سيارات مدمّرة لموكب أمني.
ومنذ تسلّمه ملف التحقيق أوقف صوّان 25 شخصاً بموجب مذكرات توقيف وجاهية، بينهم المدير العام للنقل البري والبحري عبد الحفيظ القيسي ورئيس مجلس إدارة المرفأ حسن قريطم والمدير العام للجمارك بدري ضاهر وأربعة ضباط، وثلاثة عمال سوريين كانوا تولّوا قبل ساعات من الانفجار تلحيم فجوة في العنبر رقم 12. وإذا كان توقيف البعض مفهوماً فإن توقيف آخرين بقي غير مفهوم ولاسيما بالنسبة إلى مدير عام الجمارك الذي يشكّك البعض بأن توقيفه جاء كـ “كبش محرقة” وبهدف امتصاص حملات إعلامية تحريضية ما زالت تلاحقه في ملفات غير متماسكة آخرها ما يتعلق بإلغاء منع سفر أمير سعودي من بيروت متهم بالكبتاغون قبل دفع الغرامة المالية، في وقت يعلم المطلعون على هذا الملف أن الغرامة ما زالت لدى المجلس الأعلى للجمارك الذي لم يحدّد قيمتها لغاية اليوم، وأي تدبير احترازي كمنع السفر يأتي بعد صدور الحكم وتمنّع المتهم عن الدفع وليس قبل. وعلاوة على كل ذلك، فإن الأمير السعودي الذي هو من سلالة العائلة المالكة سُجن وأمضى محكوميته وكان يتعرّض لابتزاز قبل أن تتدخّل السفارة السعودية لدى السلطات اللبنانية للإفراج عنه والتي استجابت للطلب نظراً للعلاقة المتينة بين المملكة ولبنان.
وما زال أهالي ضحايا الانفجار ينتظرون أن تطال الملاحقة القضائية رؤوساً كبيرة في السلطة وليس حصر المسؤولية بعدد من المديرين العامين الذين يأتمرون بتعليمات رؤسائهم مع الإشارة إلى أن المادة 226 عقوبات تنص على أنه “لا يُعاقَب الموظف العام أو العامل أو المستخدم في الحكومة الذي أمر بإجراء فعل أو أقدم على فعل يعاقب عليه القانون إذا اعتقد لسبب غلط مادي أنه يطيع أمر رؤسائه المشروع في أمور داخلة في اختصاصهم وجب عليه طاعتهم فيها”. ويطلب الأهالي معرفة سبب عدول رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب عن زيارة العنبر رقم 12 في ربع الساعة الأخير ومن الذي أقنعه بأن المواد المخزّنة غير خطرة؟ في وقت أن المدير العام السابق للجمارك شفيق مرعي والمدير العام الحالي بدري ضاهر، اللذين على الرغم من عدم علاقة الجمارك بمخازن المرفأ ولا سلطة لهما على الاطلاق على بضاعة نيترات الأمونيوم طيلة فترة بقائها والتي لا تحمل أي بيان جمركي مسجّل وفقاً للأصول، قاما بواجباتهما وأرسلا كتباً إلى قاضي الأمور المستعجلة للتمني عليه الموافقة على إعادة تصدير البضاعة فوراً إلى الخارج نظراً إلى خطورة اشتعال هذه المواد، إضافة إلى إرسال كتاب من دائرة المانيفست إلى مصلحة بيروت مع لقتراح تسليمها فوراً إلى الجهات الأمنية المختصة “قيادة الجيش اللبناني” وجاء جواب قيادة الجيش في 7 نيسان/ابريل 2016 أنها ليست بحاجة لمادة نيترات الأمونيوم المحتوية على 34.7 في المئة أزوت ويمكن التواصل مع الشركة اللبنانية للمتفجرات- مجيد شمّاس إذا رغبت الاستفادة منها أو إعادة تصديرها إلى بلد المنشأ على نفقة مستورديها. وعلى هذا الأساس، راسلت المديرية العامة للجمارك في 17 حزيران/يونيو 2016 هيئة القضايا في وزارة العدل عن طريق وزارة المالية وطلبت احالة كتابها إلى قاضي الأمور المستعجلة لمطالبة الوكالة البحرية بإعادة التصدير أو البيع إلى شركة شمّاس. وقد أعادت وزارة المال كتاب المديرية للاحالة إلى قاضي الأمور المستعجلة لإجراء المقتضى، فوجّهت كتاباً جديداً إلى القاضي في 13 تشرين الأول/اكتوبر 2016 تعرض الوقائع وتؤكد على طلبها، وبما أنه لم يأت أي جواب أعادت إرسال كتابين الأول في 19 تموز/يوليو2017 والثاني في 18 كانون الأول/ديسمبر2017 .
والمفارقة أن من أمر بتنفيذ القرار القضائي الصادر بتاريخ 27 حزيران/يونيو 2014 بتعويم باخرة الأمونيوم ونقل المواد الموجودة على متنها للتخزين كان رئيس الديوان في الجمارك ريمون خوري وليس المدير شفيق مرعي الذي لم يوقّع على القرار ولم يطّلع عليه، كذلك بالنسبة إلى بدري ضاهر الذي كان في ذلك الحين رئيساً لدائرة المستودعات النفطية ومستودعات السيارات والمنطقة الحرة، أي لم يكن له دور ولا علاقة من قريب ولا من بعيد بعملية إنزال البضاعة إلى العنبر. إلا أن المحقق أمر بتوقيف مرعي وضاهر فيما استمع إلى ريمون خوري بصفة شاهد وأخلى سبيله.
هذه الاستنسابية في مسار التحقيقات تثير تساؤلات قوى سياسية واستغرابها لتحميل المسؤولية لموظفين، في حين يتمّ تجاهل السبب الحقيقي لدخول 2750 طناً من “نيترات الأمونيوم” ومن هي الجهة التي تقف وراءها؟ ومن غطّى وجودها وسرقة كميات منها طيلة تلك الفترة لنقلها على الأرجح إلى سوريا وغير سوريا؟ وأكثر من ذلك، يتعجّب البعض لتسويق رواية أن سبب الانفجار هو التلحيم، وهو السبب نفسه الذي قيل عن الحريق الكبير في أحد مستودعات المرفأ بعد شهر على الانفجار وعلى الانفجار الذي وقع في بلدة عين قانا الجنوبية في مستودع ذخائر لحزب الله.
وفي انتظار جلاء القضية، تبقى طبيعة الانفجار غامضة مع تجهيل السبب أهو عمل تخريبي متعمّد أم هو ناجم عن خطأ أم عن إهمال وسوء تقدير لخطورة المواد؟
mtv