بين الحلّ والمشكلة… ما هي علاقة التكنولوجيا بالتغير المناخي؟
في تقرير لها عن التغير المناخي ذكرت “الجزيرة” أن التكنولوجية غيّرت حياتنا بكل التأكيد، فمن دونها كنا سنظل نعيش من دون كهرباء وسفن وطائرات وقطارات وسيارات وأدوات.. سنعود للعيش مثل رجال الكهوف، ولكن بعضنا قد يتساءل: هل كانت التكنولوجيا جيدة لبيئتنا كما كانت لنا؟
لقد بدأت علاقة التقنية بالتغير المناخي منذ الثورة الصناعية الثانية في ثمانينيات القرن الـ19، عندما بدأ الناس في استخدام الفحم لتوليد الكهرباء للمنازل والصناعات.
في البداية، كان الناس يفكرون بالفوائد فقط، لكننا اليوم نعلم التكلفة البيئية الهائلة الناتجة عن اختراع الكهرباء، فعملية توليد هذه الطاقة ينتج عنها ملايين الأطنان من الكربون والانبعاثات الهوائية التي تؤدي لتلوث البيئة وزيادة الظروف الجوية القاسية التي تعاني منها البشرية، وذلك من بين أشياء أخرى كثيرة.
ومع الثورة الرقمية، بدأت تحديات أخرى تهدد أرضنا وصحتنا. فإدمان البشرية للإنترنت له تكلفة بيئية عالية، وحتى الأجهزة الحديثة الأصغر والأكثر استخداما -هواتفنا الذكية- لها بصمة كربونية خاصة بها.
وكمثال على ذلك، فإن الشخص الذي يغيّر جواله كل 3 سنوات، على سبيل المثال، سيفعل ذلك 23 مرة إذا كان معدل حياته 70 عاما، كما ذكرت منصة “تيك سلانغ” (techslang) في تقرير لها مؤخرا.
وينتج عن تصنيع هذه الهواتف 1.610 كيلوغرام من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وهو ما يساوي الطيران من لندن إلى نيويورك 2.5 مرة. وهذه هي الكمية التي يساهم بها كل شخص في التغير المناخي من تصنيع الهواتف المحمولة فقط. اضرب هذا الرقم في عدد سكان العالم الآن والبالغ نحو 7 مليارات إنسان وتخيل النتيجة!
نحن لا نستطيع العيش دون إنترنت أو كهرباء الآن، ولكن هل يمكن أن تكون التكنولوجيا الرقمية جزءا من حل مشكلة التغير المناخي الذي يعاني منه العالم؟
الإجابة نعم بكل تأكيد، وفي أكثر من ميدان ومجال، وفقما ذكرت منصة “ستريتس تايمز” (straitstimes) في تقرير لها أخيرا.
الذكاء الاصطناعي
من بين العديد من البنود المدرجة على جدول أعمال المؤتمر العالمي للتغير المناخي الذي ستعقده الأمم المتحدة في مدينة غلاسكو الأسكتلندية يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، تقوم الدول والبلدان بإعداد خريطة طريق لاستخدام الذكاء الاصطناعي لمكافحة التغير المناخي.
ويعتمد الذكاء الاصطناعي على حسابات معقدة بواسطة أجهزة حاسوب عالية القدرة يمكنها أن تلتهم كميات هائلة من الطاقة خلال فترة وجيزة، فإن خوارزمية واحدة مثلا تنتج انبعاثات هوائية أكثر بخمسة أضعاف ما تنتجه سيارة تستخدم الوقود الأحفوري على مدار عمرها، وذلك حسب دراسة نشرها باحثون من جامعة ماساشوستس مؤخرا.
ومن جهة أخرى، فإن الذكاء الاصطناعي يساعد بالفعل في جعل مجموعة واسعة من العمليات الصناعية أكثر كفاءة في استخدام الطاقة وأقل تلويثا للبيئة، وذلك ببساطة عن طريق إجراء حسابات لا يستطيع البشر القيام بها، وكانت ستسهلك مقدارا كبيرا من الطاقة لو تم القيام بها بالطرق العادية.
الذكاء الاصطناعي يساعد بالفعل في جعل مجموعة واسعة من العمليات الصناعية أكثر كفاءة في استخدام الطاقة وأقل تلويثا للبيئة (شترستوك)
وتقدر شركة الاستشارات “بي دبليو سي” (Consultancy PwC) أن زيادة استخدام الذكاء الاصطناعي في 4 قطاعات رئيسية من الاقتصاد، بما في ذلك الزراعة والنقل، يمكن أن تخفض الانبعاثات العالمية بنسبة 4%.
وفي هذا السياق، قال المؤسس المشارك لمركز الذكاء الاصطناعي والمناخ بيتر كلوتون بروك: إن الذكاء الاصطناعي ليس “حلا سحريا” يمكن أن يعكس تغير المناخ في العالم، ولكن هناك بعض التطبيقات المثيرة للاهتمام التي تظهر بالفعل مدى قدرة الذكاء الاصطناعي على تحقيق هذه المهمة.
وتشمل هذه التطبيقات استخدام الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات المتعلقة بإزالة الغابات وذوبان الجليد البحري، من أجل التنبؤ بشكل أفضل بالمناطق التي ستتأثر في المستقبل.
التطبيقات ومحركات البحث
قد يجادل المشككون في أن شخصا واحدا يمكن أن يكون له تأثير محدود فقط على البيئة، ولكن الخبراء لديهم تطبيقات مختلفة تحت تصرفهم لمراقبة بصماتهم الكربونية الشخصية، والاستدلال منها على مدى تأثير استخدامات شخص واحد للتكنولوجيا الرقمية على البيئة المحيطة.
وهناك أيضا تطبيقات مختلفة تستطيع تقدير الانبعاثات الناتجة عن ركوب السيارة أو الطائرة، بينما تسمح تطبيقات أخرى للمتسوقين بمسح العناصر ضوئيا، والاطلاع على معلومات حول مدى صداقتها للبيئة، وهو ما يمكّن المتسوقين من شراء المنتجات الصديقة للبيئة ومقاطعة السلع التي لها بصمة بيئية كبيرة.
أما محركات البحث، فقد أعلنت “غوغل” (Google) مؤخرا عن إجراء تعديلات على أدوات البحث الخاصة بها تزود السائقين بالمسارات الأكثر كفاءة في استهلاك الوقود، وكذلك تعرض معلومات انبعاثات الرحلات الجوية، وفي الوقت نفسه يستخدم محرك البحث “أيكوسيا” (Ecosia) جزءا من أرباح إعلاناته لدفع تكاليف إعادة التشجير في مناطق مختلفة من العالم، حيث تم زرع أكثر من 135 مليون شجرة حتى الآن، وهذا تطور مهم جدا في مجال تحمل شركات التكنولوجيا مسؤوليتها الأخلاقية في مكافحة التصحر والتغير المناخي.
العمل عن بعد
هل كان التحول نحو العمل عن بعد أثناء الجائحة مفيدا للبيئة؟ لا يزال الأمر غير واضح المعالم، كما يقول الباحثون.
في العام الماضي، تم الترحيب بالانخفاض الهائل في التنقل كمساهم رئيسي في انخفاض الانبعاثات العالمية، حيث كانت معظم دول العالم تتعرض للإغلاق وحظر التجول، وهو ما ساعد بكل تأكيد في خفض الانبعاثات الهوائية الملوثة للبيئة.
ومن جهة أخرى، فقد زاد الاتصال بالإنترنت في كل مكان في العالم، وهو يعني استخدام طاقة أكبر، وفي فصل الشتاء فإن مقدار الوقود المستخدم في التدفئة كان أعلى بكثير، حيث لزم الجميع بيوتهم وأشعلوا مواقدهم، بدلا من تدفئة مجموعة من الأشخاص في مكتب عمل واحد.
وجدت وكالة الطاقة الدولية أنه إذا بقي جميع الموظفين “ذوي الياقات البيضاء” في منازلهم يوما واحدا في الأسبوع، فيمكن خفض الانبعاثات العالمية بمقدار 24 مليون طن، أي ما يعادل تقريبا انبعاثات مدينة لندن في عام واحد.
وقالت الوكالة إن العمال والموظفين الذين يتنقلون لمسافات طويلة بالسيارات يمكنهم بالتأكيد تقليل بصمتهم الكربونية من خلال البقاء في المنزل.
لكنها خلصت إلى أن السائقين الذين تقل تنقلاتهم اليومية عن 6 كيلومترات قد يستخدمون بالفعل المزيد من الطاقة من خلال البقاء في المنزل مع تشغيل المدافئ.
الحوسبة السحابية
لسنوات عديدة، كان يُخشى أن تصبح مراكز البيانات العملاقة المتعطشة للطاقة والتي تعتمد عليها شبكة الإنترنت العالمية مساهما رئيسيا في التغير المناخي، ولكن دراسة نُشرت في مجلة “سينس” (Science) العام الماضي تشير إلى أن هذه المخاوف لم تتحقق بفضل قفزات غير متوقعة في الكفاءة.
في عام 2018 كانت مراكز البيانات تستهلك حوالي 1% فقط من الكهرباء في العالم، على الرغم من الطلب المتزايد على تخزين البيانات، وفي الحقيقة فإن هذا يعود بشكل رئيسي إلى رغبة عمالقة التكنولوجيا في خفض فواتير الكهرباء وتوفير المال، فإذا أخذنا غوغل، على سبيل المثال، فقد استخدمت الشركة الذكاء الاصطناعي لتقليل تكاليف تبريد مراكز البيانات الخاصة بها بنسبة بلغت 40%.
المدن الذكية
تقدر الأمم المتحدة أن المدن مسؤولة عن 70% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. ومع توقع أن يزداد عدد السكان في المناطق الحضرية، فإن تصميم المدن الموفرة للطاقة يمثل أولوية قصوى.
وفي هذا المجال، يتم استخدام إنترنت الأشياء “آي أو تي” (IoT) -الذي يربط الأشياء بأجهزة استشعار يمكنها التواصل واتخاذ قرارات ذكية- في التصميم الحضري.
واستخدم مشروع تجريبي في مدينة أمستردام، على سبيل المثال، إنترنت الأشياء لتوجيه السائقين إلى أماكن وقوف السيارات الفارغة، مما يقلل الوقت الذي يقضونه في القيادة في جميع أنحاء المدينة بحثا عن مكان للاصطفاف.
(الجزيرة)
المصدر: أ.ف.ب – الجزيرة