بدل شرقية غربية… صيفية شتوية
كتبت لينا دوغان في مقالتها بـ لبنان الكبير:
لم يكن ينقص اللبنانيين سوى توقيتين شتوي وصيفي، ليزيدوا على سجالاتهم العقيمة أصلاً سجالاً هو أصلاً في الساعة لكنه تدرج من السياسة وأصولها الى الطائفية وفروعها، وحملت كل الساعات التي سبقت التوقيتين تصريحات وأحاديث أخذت البلاد والعباد الى مواقيت ومواعيد لا يعيشها على هذا الكوكب غيرنا نحن.
نعم فعلت هذه الساعة فعلها وقامت بدور لم يستطع أن يقوم به أحد وأعادت الى الأذهان الشرقية والغربية، فالساعة في الغربية ليست الساعة نفسها في الشرقية، والعمل في الغربية ليس دوامه نفسه في الشرقية، وعلى سبيل المثال ابنتي لديها دوام في مدرسة كاثوليكية ينتهي على توقيتهم تمام الثالثة، ليبدأ عملها الثاني في مركز في المنطقة المقابلة تمام الثانية والنصف بتوقيتهم، أخبرتني، ذُهلنا، فضحكنا، وبعدها لم نعرف الحل!
وبهذا تكون المدارس قد انقسمت على التوقيتين بين دوامين ليصرح وزير التربية عباس الحلبي بأن المدارس ستتبع التوقيت الضيفي، ثم يعود ليعلن أنه تلقى دعوة من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لعقد جلسة لمجلس الوزراء تبحث في موضوع التوقيت الصيفي بصورة حصرية. وأفاد الوزير أنه سيترك للمسؤولين عن المدارس والمهنيات والجامعات الرسمية والخاصة حرية اختيار وقت فتح مؤسساتهم الاثنين. وبناءً على ذلك، قرر مجلس الوزراء في جلسته التي عقدها ظهر الاثنين في السراي الحكومي العودة الى التوقيت الصيفي بدءاً من ليل الاربعاء – الخميس.
ليس هذا وحسب، بل أُمطرنا بالتصريحات والتصريحات المضادة بعد لقاء الرئيسين نبيه بري وميقاتي الشهير والذي أبقى على التوقيت الشتوي، وطبعاً لا يمكن الا أن نتوقف عند تصريح جبران باسيل الذي أضفى نكهة أكثر من طائفية، وهي نكهته الخاصة البغيضة التي يتحلى بها عندما قال: “منمشي عا وقت المتطورين والمتقدمين مش عا وقت المتخلفين الرجعيين”.
لن نخوض في تفاصيل الردود على القرار الذي اتخذ، لكن يمكن القول إن لا أحد نزل في كلامه لا السياسي ولا الطائفي ولا العنصري الى المستوى المنحط الذي نزل اليه باسيل.
الاعلام دخل على الخط أيضاً فحصلت عملية اصطفاف اعلام مسيحي ضد العمل بالتوقيت الشتوي، وبدأ التجييش بحملة ضد القرار ومن وراءه باتجاه أحقية العمل بالتوقيت الصيفي.
إزاء هذا المشهد غير المسبوق في الانقسام الحاصل في البلد حيال موضوع تقديم الساعة وتأخيرها، قام وليد جنبلاط بمسعى يهدف الى إيجاد مخرج لحلّ هذه الأزمة، من خلال التواصل مع كل من الرئيسين بري وميقاتي، بحيث ينطلق من ضرورة الحد من الانقسامات الخطيرة الحاصلة تحديداً في ظل ما يعانيه الناس من أزمات لا تعد ولا تحصى.
أجواء “الساعة” أخذت البلاد من وضعها السياسي والاقتصادي والاجتماعي السيء الى ما هو أسوأ، فنسي الناس عملياً أنهم بلا رئيس للجمهورية وأن الأمور الى مزيد من التدهور طالما لم يحل هذا الملف اضافة الى موضوع الاصلاحات مع صندوق النقد الدولي الذي يؤكد أن لبنان على مفترق خطير، من دون إصلاحات سريعة سيغرق في أزمة لا نهاية لها، وهذا ما تحدثت عنه مساعدة وزير الخارجية الأميركية بربارا ليف في زيارتها مؤخراً الى لبنان، هذه الزيارة وإن وصفت بالاستطلاعية ولن تقدم تسهيلات باتجاه الحلول اللبنانية، إلا أنها أكدت أن الأولوية الأميركية هي انتخاب رئيس والمضي في الاصلاحات. لم ينسوا هذا الأمر وحسب، بل أيضاً مشكلة الدولار الذي يحلق ويهبط فجأة وهو بطبيعة الحال لا سقف له. نسوا غلاء أسعار المواد الغذائية خصوصاً في أشهر الصوم. نسوا غلاء الأدوية وعدم توافرها في غالبية الأحيان. نسوا المستشفيات والذل على أبوابها. نسوا المشكلة الجديدة التي طرأت وهي اضراب عمال “أوجيرو” والتي على أثرها توقفت معظم السنترالات وشبكة الانترنت. نسوا ما كل يعيشونه من أزمات ونبشوا في قبور الطائفية.
سنعود ليل الأربعاء – الخميس الى العمل بالتوقيت الصيفي، قرار أعلنه ميقاتي بعد أن قال سابقاً إن ما اتخذ قد اتخذ. مهم قرار ميقاتي لكن الأهم ألا تعلو الأصوات الآن لتصرخ وتقول: نحن من ربحناهم، نحن من كسرنا رأسهم، نحن من نجحنا وضغطنا وهم رضخوا، ليعود كبير المفتنين في البلد جبران باسيل فيقول: ربح المتطورون والمتقدمون على المتخلفين والرجعيين. لعن الله زمناً كهذا قلّ فيه العقلاء وتكلم فيه الأغبياء… والله يلعن هيديك الساعة.