كتب نادر حجاز في موقع mtv:
لطالما اعتُبرت الانتخابات في لبنان موسماً، على خلاف شعوب العالم التي ترى فيها فرصةً للتغيير نحو مستقبل أفضل والمجيء بوجوه كفيلة بتأمين حياة كريمة وأكثر رفاهية واستقرار وأمان. وفي هذا الموسم تتحوّل الأصوات الى بازار مفتوح وسوق عرض وطلب. للأسف هذا هو الواقع الذي يعيد الى الواجهة على أبواب كل استحقاق إشكالية الانفاق الانتخابي الذي من الصعب مراقبته وضبطه.
فأي دور لهيئة الاشراف على الانتخابات في لبنان؟ وكيف تعمل وهل لديها إمكانيات؟
“إننا نعمل باللحم الحي”، هكذا يردّ رئيس الهيئة القاضي نديم عبد الملك على سؤال موقع mtv، موضحاً أن الهيئة منذ عامين لم تقبض ليرة واحدة، بانتظار البتّ بموازنتها والتي تدخل ضمن موازنة وزارة الداخلية، والتي يقرّها مجلس النواب، موضحاً أن لا موازنة مستقلة للهيئة.
ويشير عبد الملك الى ان الموازنة التي تُقدّر في هذا الاستحقاق بـ3 مليار و500 مليون ليرة و107 الاف دولار أميركي غير كافية، وهي لا تختلف كثيراً عن موازنة 2018 بعد تدني قيمة النقد الوطني، وكانت تبلغ 3 مليار و850 مليون ليرة، مطالباً بالأخذ بعين الاعتبار أن تكون موازنة الهيئة مقبولة خصوصاً وأن الدفع سيكون مؤقتاً.
ويؤكد عبد الملك أن الهيئة بدأت بعملها وتعتبر الانتخابات حاصلة باعتبارها استحقاقاً دستورياً، وهي أقسمت اليمين للقيام بعملها بنزاهة وإخلاص، مضيفاً: “نعمل بعدّة العمل الموجودة لأننا مؤمنون بالاستحقاق الدستوري، لكننا نخوض الاستحقاق بالسلاح الابيض وإن كنا نطمح الى أن تكون أوضاعنا أفضل وان تكون لنا موازنة مستقلة”.
ورداً على سؤال حول قدرة الهيئة على البدء بالعمل في ظل الأوضاع الاقتصادية القائمة وعن عدد العاملين معها، قال عبد الملك: “منذ بدء الحملة الانتخابية في 10 كانون الثاني، أصدرنا عدداً من القرارات التنظيمية والادارية”، كاشفاً ان الهيئة قامت باختيار 31 شخصاً لمراقبة الاعلام والاعلان بعد خضوعهم لدورة تدريبية بأعلى معايير برامج المراقبة، عبر برنامج الأمم المتحدة الانمائي الـundp الذي تكفّل بكل التكاليف وبدل أتعاب هؤلاء المراقبين. وقام وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي بتسوية موضوع إيجار مقرّ الهيئة في الطابق الثامن في مبنى أريسكو بالاس، وتأمين طابق مخصص للانتخابات في الطبقة السابعة من المبنى نفسه.
وعليه، هل الهيئة مستقلة فعلاً؟
يقول عبد الملك: “تنص المادة 9 من القانون على أن هيئة الاشراف دائمة ومستقلة تمارس مهامها بالتنسيق مع وزير الداخلية والبلديات، الذي يواكب عملها ويؤمن مقراً لها مستقلاً ويحضر اجتماعاتها من دون تصويت”. وبالتالي فالهيئة لا تزال في لبنان مرتبطة بسلطة وصاية ولم تتحقق استقلاليتها بعد، لا بل تعتبرها جمعية “لادي” بأنها تعاني تكبيلاً سياسياً ومالياً يصعّب من عملها في مراقبة الانفاق الانتخابي، والإعلام والإعلان الانتخابيين، ونشر الثقافة الانتخابية، وتطالب الجمعية بأهمية وجود إدارة مستقلة للانتخابات في الفترة اللاحقة وبضرورة صرف الاعتمادات المالية لها فوراً.
الا ان “لادي” تعود وتؤكد أنه “صحيح أن الهيئة ليست مستقلة في لبنان ولكن لا يمكن الغاءها اليوم، والمطلوب حماية المسار المتعلق بالانتخابات واعتماد معايير واضحة وشفافة لمراقبة الانتخابات”، ليؤكد عبد الملك بدوره: “نعمل كأن الانتخابات حاصلة ولا نكترث لكل التكهنات التي تبقى مجرد تكهنات”.
قد يكون المطلوب من الهيئة أكثر، وطبعاً استقلالية تامة عن السلطة السياسية، إلا أن العلاج يبدأ فعلاً بتشكيل هيئة مستقلة وأن لا تكون ترفاً تنجزه الحكومات قبل الاستحقاق بأشهر قليلة كما حصل ويحصل دائماً. ولكن الأخطر أن تكون الدولة عاجزة عن توفير أبسط مقومات العمل لجهاز رقابي وتدفعه لطلب المساعدة من جهات خارجية، لتعود هي نفسها وتطالب المجتمع الدولي بمراقبة الانتخابات لضمان شفافيتها.