لبنان

الحريري “مُرشدٌ أعلى” للحكومة…

ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح

وفي الساعات الأخيرة من عُمر موعد الاستشارات، لفظت “مشاورات الكواليس الحكومية” أنفاسها لتستقرّ على إسم دبلوماسي لبناني برتبة أكاديمي ذات نواة مستشار سياسي، اتُفق أن يكون “نموذج مخرج” يُعيد الرئاسة الثالثة إلى حضن “الشرع الأعلى” لنادي رؤساء الحكومات السابقين، فيرفعون “حرمهم المذهبي” عن السراي.

وهكذا، جيء بـ “مصطفى سالم أديب عبد الواحد” إبن طرابلس في عيد ميلاده الـ٤٨ رئيساً مكلفاً لمجلس الوزراء بعلامة كاملة قبل أن يستقرّ الرأي عند النواب أصحاب الاختصاص ويرضي نادي الـ ٤ الكبار الذين شكوا وبكوا طويلاً سلبَ حصرية التسمية منهم ووضعها في شباك قصر بعبدا، لتعود بركتها اليوم ويعود “مصطفى”، أديباً إليهم برتبة موظّف عند بيت الوسط لا غير، ليتولى الاخير قيادة الدّفة الحكومية من جديد ولو بالمواربة، ليصبح القرار الحكومي معقوداً على قرار من “مجلس وزاري مصغر”…. وهكذا لا يزعل الشيخ سعد ولا تفنى ٨ آذار.
والاشارة هنا الى بيت الوسط، لأن “الأديب” المقترح تفويضه، قد نقل ولاءه السياسي من طرابلس إلى بيروت في غفلة من الزمن، رغمَ أن بركة تعيينه سفيراً تعود لمكتشفه السابق الرئيس نجيب ميقاتي، ولو أنه لم يقطع شعرة معاوية مع “أبو العزم”، الذي شغل لديه مركز مدير مكتبه عام ٢٠١١ حين تولى الأخير دفّة السراي قبّل أن يرقّيه دبلوماسياً برتبة سفير عام ٢٠١٣. لكن ذلك، لم يكن حافزاً لاي من الرؤساء السابقين لرفضه، لا سيما ميقاتي الذي قيل أنه كان صاحب فكرة الاقتراح التي تلقفها الحريري بعد مشاورات مضنية. ولكون جميع الحاضرين على علم بالجينات السياسية التي يمتلكها المؤهل، قالوا “نعم عريضة”، ليجول الاسم على المقار المعنية بمعية “وسيط الجمهورية” الذي تولى جمع الموافقات وإبلاغها إلى بيت الوسط، التي أعلنت النفير بدعوتها التئام “محلس الرؤساء” شكلياً مساء أمس، لتعلن بعد ذلك ترفيع “السفير الألماني” إلى رتبة رئيس مكلف مع سابق الاصرار والتصميم.

وفي تفاصيل “ساعات الحشر”، فإن الاتفاق رسا بدايةً على منح الرؤساء السابقين حصرية إختيار الإسم. هؤلاء تهيبوا اللحظة، وعلى مدى أكثر من إجتماع عُقد بعيداً وقريباً من الاعلام، اتفقوا على رفع قائمة بأسماء أشخاص مؤهلين لعرضها على المعنيين وانتقاء الأفضل منها للسير به.

يُقال أن القائمة التي ضمّت إلى أديب كل من المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات ورئيس مجلس إدارة شركة “ميدل إيست” محمد الحوت، جاءت في الأصل على قياس أديب، وما إدراج الاسمَين الآخرين إلا في إطار المناورة، بدليل رفض التيار الوطني الحر والثنائي الشيعي تحديداً للاسمّين الإضافيين لأسباب عدة تخص كل فريق.

واصلاً، لم يقم إعتراض الفريقين على أصل الاختيار، بل انحصرَ حول طبيعة الأسماء بعد موافقتهما على منح “بيت الوسط” ومعاونيه حق التسمية، والتيار الوطني الحرّ كان من ضمن هذا الخيار، وجبران باسيل الذي اختبرَ مصطفى أديب دبلوماسياً حين كان رئيس الخارجية “يجده الأفضل من بين خيارات قائمة على منطق المفاضلة بين السيء والاسوأ”.

في المقابل كانت كتلة المستقبل بجميع نوابها تتداعى بأمر صفّارة حريرية للاجتماع بنيّة البصم على “الفرمان الحكومي”، فكان اعضاؤها أقرب إلى “باش كاتب”، يصرفون ما يأتيهم بالبريد السياسي عبر رفع الأيدي. وتشير معلومات “ليبانون ديبايت” عن عقدها إجتماعاً إلكترونياً عاجلاً اقتصر محضره على تلاوة بيان الاسم ومن ثم نيل تواقيع على بياض ليتولى الرئيس فؤاد السنيورة بعد ذلك المشهد الأخير من المسلسل عبر إخراج إسم أديب رسمياً. ومع التوافق شكلاً على الخيار تحت شعار “الفصل بين التكليف والتأليف”، تشخص أنظار “الثنائي الشيعي” على مضمون تسمية كتلة المستقبل التي سيتّخذها بمثابة البوصلة لديه ليحدد على وقعها تسميته، ثم تشخص إلى ما بعدَ “يوم الاختبار” ووفق أي مذهب ستشكل الحكومة، فيما كل من التيار الوطني الحر والحزب التقدمي الاشتراكي يسيران على المنوال نفسه.

وحدهم سُنّة المعارضة المجتمعون تحت بند التشاوري من بين “كتائب ٨ آذار” ينوون تسجيل اعتراضهم. هؤلاء الذين منّوا النفس في ساعة أن يُسمى أحدهم إلى المنصب الارفع سنياً، وقد خاضوا من أجل ذلك التسريبات، غدت أحلامهم سراباً بعد أن أخرجَ الرئيس نبيه بري أحد أرانبه معيداً الموقع إلى “الدولة السنية العميقة” تحت شعار “لابديل عن إشراك سعد الحريري في الحكم”.

سُنّة “التشاوري”، وإن كانوا ينوون الاعتراض، لكن اعتراضهم بإستخدام طقم سياسي “ممزق” سيرتد عليهم اولاً. لذا واجب عليهم بادئ الأمر توحيد صفوفهم وتحديد توجههم السياسي من خلال موقف موحد وواضح، لا التقلّب بين عدة مواقف بحسب مقتضيات كل نائب. فجهة منهم، تعلن صراحة رفضها اسقاط الاسم عليها بالباراشوت وحصر خياراتها بالتوقيع “على العمياني” بل يقترحون الذهاب إلى خيارات أخرى، وآخرون يرفضون مبدأ التسمية من اصله ويميلون إلى تطويب الورقة البيضاء شعاراً للمرحلة، وجزء آخر ينوي السير بما يريده الحلفاء مع حفظ حقهم في “الفيتو”… هذا الفريق وعلى قلّته، يحتار في المواقف ويستولد مجموعة منها ليضيع بين أحجيتها، كيف يمكنه لاحقاً أن يبت أمراً مصيرياً، هذا ناهيك عن تفتته الداخلي الذي يوحي أن الاستشارات لن تمرّ برداً وسلاماً عليه وقد يأتيها غير موحد!

و”القوات” ليست بعيدة عن موقف “اللقاء التشاوري” بصرف النظر عن اختلافها في الشكل الهندسي والموقف السياسي. لغاية ساعة متأخرة من مساء الأمس، كان البحث جارياً حول إحتمال المشاركة من الاستشارات من عدمها وبالتالي رفع لواء المقاطعة. لكن ذلك، لن يفسد في ود السياسيين قضية ولن يدفعهم إلى تحرير خياراتهم، وهم الذين استعجلوا التوافق ليهبوه إلى الغرب “بيع شرى” إلى باريس تحديداً التي ووفقَ معلومات “ليبانون ديبايت”، جرى إبلاغها بالنتيجة والإسم الذي جرى التوافق عليه، فرحّبت “طالما أنه نابع من خيار غالبية الكتل النيابية”، ما يؤهل “التسوية” أن تقدم كجائزة ترضية على مائدة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يدخل الأجواء اللبنانية الساخنة بدءاً من الغد.

مقالات ذات صلة