المقاهي مكتظة حتى آخر كرسي.. ليل الأشرفية أقوى من العملة الصعبة
كتب طوني كرم في “نداء الوطن”: لا يختلف المشهد في مار مخايل والجمّيزة عن غيره من مناطق السهر التي تحاول استعادة مظاهر الحياة مع بداية فصل الصيف سوى بالندوبات التي خلّفها إنفجار المرفأ في الأبنية المدمّرة ووجدان القاطنين كما الزائرين. مطاعم وملاهٍ لوهلة تأخذك إلى مكان آخر لم يشهد عصف إنفجار العصر في 4 آب، ولا على تبعات أشدّ أزمة إقتصاديّة في العالم. روّاد من المقيمين كما المغتربين، سوّاح عرب وأجانب، يستقطبهم حبّ الحياة في لبنان الذي يتميّز بحسن الإستقبال والضيافة، لتضيف مشهديّة الأشرفيّة هذه السنة، بصمة خاصة، ما بين ضجيج إعادة الإعمار في النهار وصخب الموسيقى في المساء.
المقاهي مكتظة حتى آخر كرسي وآخر ركن وآخر طاولة، ما يدحض أي كلام متشائم عن تداعي القطاع السياحي، زبائن لا يسألون عن ارتفاع الأسعار ولا يستهولون أصفار الفواتير. مشاهدات تخفي الكثير عن واقع المؤسسات السياحيّة وقدرة غالبيّة اللبنانيين على ارتيادها. فهل تشكل تلك المظاهر بارقة أمل يمكن التعويل عليها أو أنها الملجأ الأخير لكثيرين للإبتعاد عن مآسي النهار الطويلة وبلسمتها بقليل من الخمر في المساء؟
“وقت الثورة ثُرنا، ووقت الحجر إنحجرنا… بدنا نعيش!”عبارة يرددها روّاد مطاعم مار مخايل والجميزة وملاهيهما كما العاملون فيها، حيث يغيب التذمّر من الأوضاع السياسيّة والإقتصادية. مؤسسات نفضت عنها سريعاً مآسي 4 آب لاستقبال زبائنها، وأخرى شكّل عصف الإنهيار المالي ضربة قاضية لها. في معظم أماكن السهر المعروفة، الحجز المسبق ضروري في الويك أند كما طوال أيام الأسبوع بهدف تمضية بعض الوقت في أجواء من الموسيقى الصاخبة، وإن ضاق المكان في الداخل فالأرصفة تتسع.
الأسعار؟ ومن يسلْ؟
“روّاد السهر لا يسألون عن الأسعار، ولا يعانون إرتفاعها، الإستقبال والخدمة المميزة مطلبهم” كما يوضح زياد الذي يدير أحد المطاعم في محلّة الجميّزة، الواقع في الجهة المقابلة للعنبر الرقم 12 الذي أدّى إنفجاره إلى إلحاق أضرار كبيرة بالمؤسسة التي يعمل فيها. وقبل الإسترسال في واقع وظروف العمل اليوم، يعود زياد إلى يوم 4 آب 2020، ويستذكر لحظة عصف الإنفجار به وبزملائه وكيف تحول الشارع إلى منطقة منكوبة في لحظات. لكن الإرادة الصلبة دفعتهم إلى الصمود والعودة إلى عملهم في ظل غياب الدعم والإهتمام التام من قبل الجهات الرسميّة. وعن الظروف الإقتصاديّة وتأثيرها على مؤسساتهم، يشير إلى أن الإزدحام في المطاعم لا يعكس بالضرورة غياب الأزمة الإقتصادية، لأنهم كموظفين في الدرجة الأولى، فإنهم من أكثر المتضررين من الأزمة كون رواتبهم بالليرة اللبنانية، وإرتفاع أسعار الوجبات لا ينعكس بالضرورة على إرتفاع أجور العاملين في القطاع الذين يجدون صعوبة كسواهم في جبه الظروف الصعبة والإستمرار، والعبرة الأساسية بالنسبة إليهم تكمن بقدرة الزبائن على الإنفاق بعدما تقلصت القدرة الشرائيّة لدى كثيرين لتقتصر جلساتهم على شرب النرجيلة والمرطبات.
أمّا باميلا التي تعمل منذ ما يزيد على 8 أعوام في مار مخايل، فتشير إلى أن بعض الزبائن يقتصر إرتيادهم إلى المطاعم وأماكن السهر مرّة في الأسبوع بعدما اعتادت على رؤيتهم بشكل دَوْري، وتلفت إلى أنّها لا تجد حرجاً أمام الزبائن بسبب إرتفاع الأسعار، فالجميع أصبح يعلم أن الغلاء شمل جميع القطاعات، والمؤسسات السياحيّة إحدى تلك القطاعات التي تأثرت بشكل مباشر بهذا الإرتفاع الذي لا يزال مقبولاً بالنسبة إلى كثيرين. وتوضح في الوقت نفسه، أن المنطقة تستقطب العديد من الأجانب والعاملين في شركات أجنبيّة، عزز انهيار العملة الوطنية من قدرتهم الشرائيّة، فبعد أن كانت قنينة البيرة على سبيل المثال تسعّر بـ 7 دولارات على سعر صرف 1500 ل.ل. أصبحت اليوم بدولارين، وقِس على كل الأصناف الأخرى من الأطباق، ما شكل عاملاً تحفيزياً لهم ولغيرهم من السيّاح الذين وضعوا لبنان في صلب وجهتهم السياحيّة.
المصدر: نداء الوطن