لبنان

“عاصفة شاملة” تضرب لبنان: ماكرون يلعب في “ممر الفيلة” وعين أميركا على الجائزة الكبرى!

كتبت “الراي” الكويتية: قد يبدو المشهدُ في ما خص أزمة تأليف الحكومة الجديدة التي تشكّل آخِر عوارض “العاصفة الشاملة” التي تضرب لبنان أقرب إلى “أحجية” يصعب تفكيكُها وتَلَمُّس مسارِ حلّها، ولكن نظرةً “من فوقِ” جبل التعقيدات المتداخلة يجعل الصورةَ أكثر وضوحاً انطلاقاً من “الحدود” المرسومة للعبة الشدّ والتراخي الاقليمية – الدولية التي تبقى القاطرةَ الرئيسية لمجمل الوضع في “بلاد الأرز” التي صارت في “فم” عواصف المنطقة ورياحها العاتية على  أكثر من جبهة.

وعشية واحدةٍ من أكثر الاستشارات النيابية (لتكليف رئيس للحكومة) إثارةً للحيرةِ في “جمهورية الطائف” والتي قد لا يتضّح مصيرها ولا إذا كان سيُستولد في كنفها اسم رئيس حكومة “المهمة المستحيلة” إلا في الدقائق الخمس الأخيرة، أَبْرَزَتْ أوساطٌ واسعة الاطلاع عبر “الراي” خطّيْن عريضيْن يتحكّمان بالملف الحكومي الذي انفجرَ مع إطاحة عصْف انفجار مرفأ بيروت بحكومة الرئيس حسان دياب التي كانت تقف أصلاً على فالق المواجهة الأميركية – الايرانية وخلف “قضبان” التخلّي العربي – الدولي عن رفْدها بأي دعمٍ يوقف السقوط المالي – الاقتصادي المريع في ظلّ وقوعها تحت التأثير “الحصري” والكامل للائتلاف الحاكم (فريق الرئيس ميشال عون وحزب الله – حركة أمل). وهذان الخطان هما:

الإشاراتُ “الثابتةُ” من الولايات المتحدة إلى أنها تتعاطى مع الواقع اللبناني بكلّيته وأنها تُقارِبُ تشكيلَ الحكومةِ بوصْفه يستكمل سعيها القديم – الجديد، عبر سياسة “الضغط الأقصى”، إلى “الجائزة الكبرى” التي يشكّل “حزب الله” عنوانها الأوّل، على قاعدة تفكيك كل البنية التي تعتبر واشنطن أنها باتت توفّر له مقومات الإطباق على البلاد و”العبور” إلى الساحات اللاهبة كذراعٍ متقدّمة لمشروع التمدّد الإيراني ومراكمة ترسانة صاروخية كاسرة للتوازنات مع اسرائيل، وذلك من خلال علاقةٍ تَخادُمية أو أكثر مع منظومة الفساد وتحويل المعابر الحدودية على اختلافها مدخلاً يتمّم قوس النفوذ الإيراني الممتدّ عبر العراق وسورية وصولاً إلى لبنان كما يغذّي الاقتصاد الموازي للحزب.

محاولة فرنسا العبور في “ممر الفيلة” على متن مبادرةٍ جزئية سقفُها الأقصى الحصولُ على “جائزةِ تَرْضيةٍ” عنوانُها حكومةٌ انتقاليةٌ تمهّد لانتخاباتٍ نيابيةٍ خلال سنة وتضع قطارَ الإصلاحات على السكة بما يسمح ببدء تقديم المساعدات، التي لن تؤدي إلى “النهوض الكبير”  ولكنها توفّر “أوكسيجين” للبنان يحول دون انهياره الشامل و”اختفائه” ويشتري له بعض الوقت ريثما تنجلي الانتخابات الأميركية لتتحدّد في ضوئها اتجاهات الريح في الصراع الطاحن بين واشنطن وطهران والذي لا يمكن تَصَوُّر أن تكون معالجة وضعية “حزب الله” خارج مآلاته، كون لا شيء تبدّل في التوازنات الداخلية في لبنان بما يتيح التفكير في سياقاتٍ محلية لهذه المشكلة.

وبين هذين الحدّيْن، وبمعزلٍ عما إذا كانت استشاراتُ التكليف غداً ستُفْضي إلى تسمية رئيس للحكومة أم لا كـ “هدية” للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون قبيل وصوله إلى بيروت مساء الاثنين في زيارةٍ تواكب إكمال مئوية لبنان الكبير ويسعى من خلالها إلى “الإشراف الميداني” على متابعة المبادرة التي كان أطلقها إبان محطته في العاصمة اللبنانية بعد يومين من انفجار المرفأ، ترى الأوساط نفسها أن أي تكليفٍ لشخصية تصرّ باريس على أن تكون تحظى بتغطيةٍ من الرئيس سعد الحريري وتمهّد لـ “حكومة مَهَمّة” رسمتْ فرنسا أيضاً “بروفايلها” على أن “تبقى الأحزاب جانباً” لن يعني بالضرورة تعبيد الطريق أمام التأليف الذي تعترضه أكثر من عقدة أبرزها:

الحروب الصغيرة” الداخلية على أكثر من جبهة والتي تجعل التوافق على دعْم حكومة مستقلّين أمراً بالغ الصعوبة، هذا إذا سلّم الجميع أصلاً بجوهر مثل هذه “الهوية” للحكومة الانتقالية التي انطلق مسارُها الشائك بتحديد موعد الاستشارات بناء على “تدخّل شخصي” من ماكرون الذي كشف أنه تواصل مع الرئيس عون في هذا الشأن، محذّراً “إذا تخلّيْنا عن لبنان في المنطقة، وإذا تركْناه بطريقة ما في أيدي قوى إقليمية فاسدة، فستندلع حرب أهلية. وذلك سيؤدي إلى تقويض الهوية اللبنانية“.  

أن “حزب الله” لن يسير بحكومةٍ محايدة “نصاً وروحاً” وهو يصرّ على هامش مرونةٍ ينطلق من إصراره والرئيس نبيه بري وفريق عون على رئيس حكومة – كان الثنائي الشيعي يفضّل أن يكون الحريري نفسه – يسمّيه الأخير، وصولاً إلى حكومةٍ بالحد الأقصى يسمي فيها الحزب والآخَرون شخصيات غير مستفزة ولا حزبية بالمعنى الفاقع، وإلا يكون الخيار الأفضل تمديد فترة تصريف الأعمال لما بعد الانتخابات الأميركية دون دفْع أي أثمان مجانية. علماً أن أي حكومةٍ بمعيارٍ بعيد عن “المستقلة والمحايدة” قلباً وقالباً ستلقى خطّ صدّ ثلاثي البُعد، من الشارع اللبناني الذي لم تخمد ثورته بعد، ومن الدول العربية كما واشنطن.

وقد علمت “الراي” في هذا الإطار أن عون و”حزب الله” وبري وحلفاؤهم قد يعمدون بحال لم يسمّ الحريري شخصية غيره إلى تسميته في استشارات يوم غد، وأن الحزب رَفَع حتى الفيتو عن الوزيرة السابقة ريا الحسن بحال اختارها زعيم “المستقبل”، ودائماً من دون ان يبدّل ذلك في المنحى الشائك لِما بعد التكليف.

وفي حين أطلت مَظاهِرُ التقابُل الدولي حيال الأزمة اللبنانية مع التقارير التي نقلتْ عن موسكو أنها تميل الى تَسَلُّم الحريري شخصياً رئاسة الحكومة وأنها لا ترى أن يقدّم “حزب الله” تنازلاتٍ تطالبه بها جهاتٌ وعلى رأسها الصادرة من الأميركيين “فمن حق الحزب أن يشارك في الحكومة، وتؤيده موسكو في الاعتراض على أسماء مرشحة لرئاسة الوزراء”، لم يكن عابراً أن تتقاطع 3 إشاراتٍ أميركية متشدّدة عشية وصول ماكرون إلى بيروت الذي يستهلّ زيارته من حيث انتهت محطة 6 اغسطس التي اختتمها بعبارة “بحبك يا لبنان” اذ سينتقل مباشرة من المطار للقاء السيدة فيروز في لفتة مدجَّجة بالرسائل وخصوصاً لما شكّلتْه “فيروزة” بلاد الأرز من عنوان جامِعٍ وعابر لخطوط الفصْل بين اللبنانيين. وهذه الإشارات هي:

توقيت زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر لبيروت في 2 سبتمبر، أي غداة زيارة ماكرون وسط ترقُّب إذا كان سيسبق وصوله صدور عقوباتٍ بحق لبنانيين في إطار قانون “ماغنيتسكي” او “قيصر”، علماً ان السفارة الأميركية أعلنت ان محطته التي تأتي ضمن الجولة التي تشمل الكويت وقطر سيتخللها لقاء “بممثلي المجتمع المدني، ويناقش الجهود الأميركية للمساعدة في أعقاب انفجار ميناء بيروت، ويحضّ القادة اللبنانيين على تنفيذ إصلاحات تستجيب لرغبة اللبنانيين في الشفافية والمساءلة وحكومة خالية من الفساد“. 

تأكيد السفيرة الأميركية دوروثي شيا في حديث لموقع “المدن” “ان المقترح الفرنسي (حول لبنان والحكومة) يخص الفرنسيين وحدهم”، مؤكدة “الضرورة الملحة لتشكيل حكومة جديدة يكون لديها القدرة على تنفيذ الإصلاحات التي طال انتظارُها”، وموضحة في ما خص التسريبات حول عقوبات ضد مسؤولين لبنانيين “تم تصميم حملة “الضغط الأقصى” للإدارة الأميركية ليس بهدف وقف تدفق الأموال إلى “القوات الخبيثة” وحسب، بما في ذلك إيران، ولكن أيضاً لتغيير سلوك الجهات الخبيثة وحلفائها. وفي الوقت نفسه، أودُ تأكيد أن عقوباتنا لا تُضْعِف لبنان ولا اقتصاده“.

تعاطي الخارجية الأميركية مع تجديد مجلس الأمن الدولي لقوة “اليونيفيل” العاملة في الجنوب مع خفْض عديدها من 15 ألف جندي إلى 13 ألفاً وتوسيع مهماتها على أنه “خطوة نحو تحسين فعالية البعثة، فقد انتهت فترة طويلة من تهاوًن مجلس الأمن بمهمة اليونيفل”، موضحةً أن “اليونيفيل ستتمكن من الوصول إلى المواقع الضرورية لاحتواء حزب الله ومن تقليص ترسانته من الأسلحة الضخمة، ونأمل أن تسلط الإصلاحات الضوء على معرْقلي مهمة اليونيفيل“.

وكان قرار التمديد دعا “حكومة لبنان إلى تسهيل الوصول السريع والكامل لليونيفيل إلى المواقع التي تريد القوّة التحقيق فيها، بما في ذلك كلّ الأماكن الواقعة شمال الخط الأزرق والمتّصلة باكتشاف أنفاق تسمح بعمليّات توغّل في إسرائيل”، مطالباً الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش بـ “وضع خطّة مفصّلة، مع مواعيد وآليّات محدّدة” بالتّنسيق مع لبنان والدول المساهمة بقوّات”.

المصدر: الراي

مقالات ذات صلة