لبنان

لماذا خرج برّي عن صمته.. وحياده حكوميًّا؟!

بعد أن كثر التساؤل، في الآونة الأخيرة، “لماذا يلوذ الرئيس نبيه برّي بالصمت، ولا يقوم بأي تحرك كعادته”، وفق ما جاء حرفيًّا في البيان الصادر عن مكتبه الإعلاميّ، قرّر رئيس مجلس النواب “بقّ البحصة” أخيرًا، فأصدر بيانًا قد تكون “كلمة السرّ” فيه أنّ العائق أمام تشكيل الحكومة، ليس من الخارج بل من “عنديّاتنا”.

كثيرةٌ هي “المفارقات” في بيان الرئيس برّي، أولها في صدوره باسمه الشخصيّ، في تطوّرٍ يصحّ وصفه بـ “النادر”، باعتبار أنّ معظم مواقف الرجل كانت تُنسَب في العادة إلى “زوّاره”، وعلى طريقة “التسريبات” الإعلاميّة والصحافيّة، إضافةً إلى بعض الإطلالات “الموسميّة”، التي تكون مُجدوَلة سلفًا، وفي معظمها مرتبطة بمناسباتٍ “حركيّة” أو عامّة.

وكما في الشكل، ثمّة “مفارقات” في المضمون، لا بدّ من الوقوف عندها، قد يكون أهمّها تخلّي برّي عن “الحياد” الذي حاول تكريسه حكوميًّا، لعلّه ينجح من خلاله في “التدخّل” في الوقت المناسب بما يتيح تقريب وجهات النظر، علمًا أنّ “تزامن” خروج بري عن صمته مع محاولات “إنعاش” المبادرة الفرنسيّة له، بدوره، مدلولاته ومعانيه غير البسيطة.
مبادرة جديدة؟
مع أنّ بري أبقى كلامه في “العموميّات”، من دون الغوص في التفاصيل أو التسميات، إلا أنّ أصابع الاتهام فيه كانت واضحة الوُجهة، بما “يدين” فريق “العهد”، ولا سيّما رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل، على خلفيّة حديث بري عن “الثلث المعطّل” الذي أعاق كلّ المبادرات والوساطات.

وإذا كان البعض من المحيطين ببري حاولوا “التنصّل” من الاستنتاجات والتأويلات الواسعة لكلامه، رفضًا لمنطق “تقويل” الرجل “ما لم يقله”، فإنّ البيان الذي صدر سريعًا عن رئيس الجمهورية، بدا “كافيًا ووافيًا” على هذا الصعيد، إذ اعتُبِر “تثبيتًا للتهمة” في معرض “نفيها”، على طريقة “كاد المريب أن يقول خذوني”، وفق توصيف بعض خصوم “العهد”.

وكان لافتًا أنّ البعض حاول إعطاء كلام بري لبوس “المبادرة”، استنادًا إلى أنّ هذا التوصيف أعطي عمليًا ورسميًا له من قِبَل المجلس الإسلاميّ الشيعيّ الأعلى، الذي لم يتردّد بالذهاب أبعد من ذلك، عبر مطالبة السياسيّين “بدعم هذه المبادرة حفظًا لوطننا، وصونًا لاستقراره، وإنقاذًا لاقتصاده ونقده الوطني، ورحمةً بشعبه المُنهَك”.

حائط مسدود
لكن، في مقابل هذا الكلام “الفضفاض”، ثمّة من رأى في كلام بري “النقيض”، بل قرأ فيه “نعيًا رسميًا” لمبادرةٍ كان يعمل عليها من خلف الكواليس، حتى أنّ بيانه يبدو، في جانبٍ من جوانبه، محاولة لـ “رفع المسؤولية” عن كاهله، والقول إنّه “بذل ما يستطيع من جهود”، وذلك في مَعْرِض تبريره “عدم قيامه بتحرك كعادته”، والذي افتتح به بيانه في الأصل.

ويقول بعض العارفين في هذا السياق، إنّ بري ما كان ليقول ما قاله، لو لم يشعر أنّ جهوده، التي قد لا ترتقي لمستوى المبادرة بكلّ ما للكلمة من معنى، اصطدمت بحائط “الثلث المعطّل” المسدود، خصوصًا أنّه استفاض في شرح اقتراحه الذي اعتبر أنّه “يُنصِف الجميع”، على قاعدة اختيار أشخاص “لا معنا ولا ضدّنا”، بيْد أنّه “تعطّل عند مقاربة الثلث المعطّل”.

ومع أنّ بري كان واضحًا في بيانه لجهة أنّه “لن ييأس وسيتابع”، في إشارةٍ مبطنة إلى الجهود التي يقوم بها من خلف الكواليس، ثمّة من يخشى أن يكون خلف كلامه هذا “سحبًا لليد” من الملفّ الحكوميّ، فضلاً عن “تعميق” الهوّة أكثر، وكأنّ “الخلاف” بين رئيسي الجمهورية والحكومة المكلّف غير كافٍ، ليُضاف إليه “الخلاف القديم-الجديد” بين الرئيسين عون وبري، وقد استعاد “روْنقَه”، بشكلٍ أو بآخر.

لا شكّ أنّ القراءات “المتشائمة” لكلام بري تتخطّى تلك “الإيجابيّة” التي تربط بينه وبين خروج المبادرة الفرنسيّة من “الكوما”، وهي تنطلق من أنّ الرجل قال ما قاله، لأنّه “ممتعض”، ولا يرى أيّ “بصيص نور” في الأفق. ولكن، لا شكّ أيضًا أنّ “تعميق” الأزمة، قد يكون “مفتاح” الحلّ على طريقة “اشتدّي يا أزمة تنفرجي”، بشرط أن “يعقل ويتّعظ” من يجب أن “يعقلوا ويتّعظوا”، والتعبير لبرّي أيضًا.
lebanon24

مقالات ذات صلة