لبنان

قاصرات بمصيدة الإبتزاز الجنسي.. على من تقع المسؤولية؟

في زاوية غرفتها المظلمة تقبع “لمى” خائفة محتارة، تُحاول أن تُخفي بكاءها عن أختها التي تشاركها الفراش الرّث. وفي سرير غرفة “سحر” المزينة بألوان “Hello kitty” الزاهية، تتأبّط ابنة الرابعة عشرة لحافها الزهري وهاتفها الخلوي الحديث وقلبها الصغير ينتظر ما يُعيد إليه فرح الطفولة. صحيح أنّ المسافة التي تفصل بين منزلي القاصرتين في محافظة جبل لبنان، كبيرة، إلّا أنّ المصيبة التي جمعتهما واحدة. فـ”لمى” و”سحر” تتعرّضان للإبتزاز الجنسي الإلكتروني.

تروي “لمى” كيف وثقت بشاب تعرّفت عليه عبر تطبيق “إنستغرام” فصارا يتبادلان الأحاديث لفترات طويلة، الى أن وقعت في حبّه. راح الحبيب يطلب منها الإجابة على إتصالاته المصوّرة “video call” ويسترسل في أحاديث الحب والغرام الى حدّ التعبير لها عن عدم تحمّله العيش من دونها وأنه بحاجة للتقرّب منها أكثر ليتقدّم لخطبتها بعد فترة. صدّقت ابنة الخامسة عشرة كلام حبيبها المعسول فكشفت له عن أسرارها وحتى عن جسدها الطريّ، فراح يُصوّر جلساتهما الإلكترونية من دون أن تدري، ليقوم بعدها بابتزازها ماديّاً ويهدّدها بنشر صورها عبر وسائل التواصل الاجتماعي إن لم تحضر الى منزله لإقامة علاقة جنسيّة معه. تنبّهت القاصر لمخاطر ما يحدث فأخبرت بخجل أختها الكبرى، التي سارعت بدورها الى إخبار والديها بالأمر فتقدما بشكوى ضد الشاب وتمّ توقيفه بجرم “ابتزاز وتهديد القاصر بنشر صور مخلّة بالآداب العامة”.
لم تكن قصّة “سحر” أفضل بكثير من ابنة جيلها “لمى” ، فهي وقعت ضحية الإبتزاز الجنسي أيضاً. لعبت الصدفة دورها في حكاية الفتاة السمراء، فقد انكسرت شاشة هاتفها الخلوي فتوجّهت به الى محل جارها المعدّ لبيع الأجهزة الخلوية، طلب الجار من “سحر” الرقم السرّي للدخول الى الهاتف للتأكّد من أنّه لم يتعرّض لأيّ تخريب. استلمت الفتاة هاتفها بشاشته الجديدة وما إن فتحته حتى تلقّت طلب صداقة من جارها، وفاتحها بمدى إعجابه بها وبصورها الـ “sexy” التي شاهدها على هاتفها . تروي “سحر” لـ “لبنان 24” كيف أحبّت جارها الى أبعد الحدود، وتكشف بخجل كيف استطاع أن يُسيطر على عقلها وقلبها لدرجة استسلمت فيها لكل رغباته إلكترونيّا فراح يصوّرها صوراً غير أخلاقية ووصل به الأمر الى طلب المال منها فصارت تعطيه من مصروفها الخاص وكلّما طلب أكثر كانت تطلب من والدتها مبلغاً أكبر بحجة شراء الملابس. لم تكتشف “سحر” ألاعيب الشاب إلا بعدما علمت بالتواتر أنّه سيرتبط بجارته، فراحت تطالبه بقطع علاقتهما ومحي الصور التي بحوزته، فما كان منه إلا أن ساومها عليها بمبلغ 500 دولار أميركي تحت طائلة إرسالها لذويها، سارعت الفتاة الى إخبار أمّها بالأمر وتمّ تقديم شكوى بحقه.

تسليط الضوء على حكاية كلّ من الفتاتين القاصرتين من قبل موقعنا، واللتين إخترنا لهما إسمين مستعاريين، يهدف الى الدخول في الأسباب الآيلة الى تزايد نسبة الإبتزاز الجنسي للقاصرات والقاصرين عبر الـ “سوشيل ميديا”، وهو ما تشرحه لنا رئيسة الإتحاد لحماية الأحداث في لبنان أميرة سكّر والتي أكّدت أنّ تفاقم هذه الظاهرة في الآونة الأخيرة تعود الى أسباب عدّة أهمها: إنعدام الثقة بين الأهل والأولاد، فالفتاة مثلا لا تجد من يصغي إليها ويهتمّ بمشاكلها، فالأم والأب مشغولان بأمور أخرى، فضلاً عن وجود الأدوات غير الآمنة بأيدي الأولاد دون السنّ، دون مراقبة من البالغين فالأهل يجهلون أنّ هناك ما يسمى بالـ “رقابة والدية” أو الـ “parental guide” في الوقت الذي يستطيعون فيه منع أولادهم من تصفح مواقع تحتوي على أمور غير مناسبة لسنهم.

تُحمّل سكّر الأهل بالدرجة الأولى مسؤولية ما يتعرّض له أطفالنا، فالطفل وأحياناً كثيرة يتعرّض للتحرّش الجنسي عبر “السوشيل ميديا” في سنّ مبكرة، وتسأل “لماذا نفتح حسابات الكترونية لأطفالنا الصغار، فطفل الخامسة لديه حساب على “إنستغرام” أو “فايسبوك” أو غيرهما، فهل من المسموح أن نفعل ذلك دون رقابة؟، هل يعي الأهل أنّ بعض أفلام الكرتون المصوّرة التي يشاهدها الطفل على “يوتيوب” مثلاً قد تحتوي على إيحاءات جنسية أو مشاهد تتضمن “جنس فموي” أو مشاهد أخرى لا تناسب أبداً سنّه؟. هل يعلمون أن ابنتهم يمكن استغلالها وابتزازها بسبب صورة مخلّة بالآداب العامة أرسلتها عن قلّة وعي أو إلتقطت لها من دون علمها، فيبتزّها الآخر ماديّاً أو الى حدّ إقامة علاقة جنسية معه، هل يدرون أن ابنهم القاصر قد يلجأ الى السرقة للتخلص من الإبتزاز الذي يتعرّض له؟.. كلّها أمور يجب على الأهل تنبيه أولادهم على مخاطرها تماماً كما يفعلون عندما يُسلّمونهم سكيناً ويقولون لأطفالهم إنتبهوا قد تجرح أيديكم..”.

لا تحصر سكّر المسؤولية بالأهل فقط بل هناك مسؤولية تتحملها الدولة، فالمجلس الأعلى للطفولة ووزارة الشؤون الاجتماعية يعملان بجهد في توعية المواطن، دون أن ننسى حملات التوعية التي يقوم بها جهاز قوى الأمن الداخلي، مشيرة الى انّ العقوبات يجب أن تكون أكثر تشدّداً ويجب الإعلان عن تنفيذها ليكون المبتزّ عبرة لغيره.

لا تنحصر مسألة التعرّض للإبتزاز الجنسي بالقصّار فقط، فكثير من البالغين بينهم شخصيات معروفة، كانوا ضحية “صورة” إلتقطت لهم بوضع مخلّ. ربما تكون وفرة الهواتف والأجهزة الإلكترونية الموجودة في كلّ بيت، فضلاً عن الأسباب الإقتصاديّة التي حجرت الى جانب جائحة “كورونا” الناس في منازلهم، دون أن ننسى ما وصلنا إليه من اللاتواصل الإجتماعي بين أفراد الأسرة الواحدة من أبرز العوامل المؤدّية الى الإبتزاز الجنسي الإلكتروني، لكنّ المسؤولية هي مشتركة بين الجميع، وتبقى خطوط مكتب مكافحة جرائم العلوماتية وحماية الملكية الفكرية في الشرطة القضائية جاهزة لتلقي الشكاوى مثلها مثل الخطوط الساخنة لإتحاد حماية الأحداث في لبنان UPEL ومكاتب النيابات العامة في كلّ المناطق.

24

مقالات ذات صلة