لبنان

هوية بيروت في خطر أين المؤسسات الرسمية؟

ليبانون ديبايت” – جمانة شهال تدمري

يبدو ان خطة بعض رجال المال والاموال مستمرة، كل التحذيرات وكل المساعي لوقف جشعهم لم تجد نفعا حتى الساعة، كل المخاطر الاجتماعية والتراثية والثقافية لم تدفع الجهات المعنية والمؤسسات الرسمية لم تدفع بالمسؤولين الى استصدار قرارات تحمي المنطقة المتضررة من انفجار مرفأ بيروت.

مع انتهاء الحرب عام 1990 واعمار وسط بيروت وتدمير النسيج التراثي في منطقة كانت تعرف بساحة البرج والشوارع والازقة المتفرعة عنها، يستمر البعض بنهجهم من خلال تدمير ما تبقى من هوية بيروت العابرة للطوائف، يستمرون عن سابق تصور وتصميم بهدم ما تبقى.
لو ان لبنان كدولة يتمتع فعلا بالثقافة التراثية لاجتمع مجلس بلدية بيروت على الفور واصدر قرار بخفض الاستثمار البنائي في تلك الشوارع واودع قراره التنظيم المدني الذي بدوره اصدر القوانين التي تمنع انشاء ناطحات سحاب في شوارع تعد واجهة بيروت التراثية، وتفرض على اصحاب الابنية التراثية اعادة ترميمها وعدم استغلال الانفجار لجرفها وتشييد الابنية الشاهقة.

مجلس بلدية بيروت والتنظيم المدني ووزارة الثقافة يتحملان مسؤولية الحفاظ على الهوية، وكما ذكرنا سابقا العلاقة الوجدانية بين من ترعرع في تلك الشوارع اقوى بكثير من الوافدين الجدد، ولن يرمم تلك الابنية بالطريقة الصحيحة الا ابناء تلك الشوارع نتيجة الروابط الاجتماعية والانسانية، الانسان ابن بيئته، ولن يحافظ على تلك البيئة الاستثنائية الا ابنائها.

اغواء اصحاب الابنية التراثية بالاموال النقدية مسألة حساسة جدا في ظل الظروف الاقتصادية التي يمر بها لبنان، فكيف ان اذا كان الدفع نقدا ومن حسابات في الخارج. يبدو ان من هرب امواله الى الخارج، ومع استصدار مصرف لبنان قرارا بإعادة 30 بالمئة من تلك الاموال الى لبنان في غضون فترة زمنية محددة، يحاول اليوم تقليص تلك المبالغ من خلال شراء العقارات التراثية، محاولات الالتفاف على القوانين على الطريقة اللبنانية وان كان لمصلحة الابنية التراثية وتغيير هوية بيروت.

التحدي اليوم على شقين، الشق الاول يتعلق بمناعة اصحاب تلك الابنية التراثية وموقف اصحاب الابنية المجاورة، والشق الثاني يتعلق بمؤسسات الدولة الرسمية من مجلس بلدية بيروت وصولا الى التنظيم المدني مرورا بنقابة المهندسين، اما الرهان الاكبر هو على وزارة السياحة التي عليها ان تلعب دور المروج للسياحة التراثية في دول العالم.

في مدن عديدة على حوض البحر الابيض المتوسط السلطات المحلية اصدرت قرارات عديدة للحفاظ على هوية تلك المدن، يمكننا في اي لحظة ان نزور نيويورك او هونغ كونغ لمشاهدة ناطحات السحاب، لكن مشهد حمامات تونس وازقة البندقية والازقة الايطالية مشهد نادر، لبنان بلد يعتمد بالاساس على السياحة وقد اشتهر بها، دورنا اليوم الحفاظ على صورة لبنان.

جمانة شهال تدمري – “رئيسة جمعية تراث طرابلس بيروت والمديرة العامة لجامعة ESUIP في فرنسا”.
lebanondebate

مقالات ذات صلة