سنتان خطيرتان تسبقان التمديد لمجلس النواب والفراغ الرئاسي!
صورة الوضع السياسي في لبنان غير واضحة المعالم لكثرة الغبار المثار نتيجة صراع الفيلة في الخارج، والتي ترتد سلبياتها على الداخل اللبناني، وذلك بعد إكتمال مشهدية الأزمة الشاملة، حیث التخوف من سوء المصير قد بات على كل لسان وفي كل توقع من توقعات حتى المنجمين، على رغم عدم الميل إلى تصديقهم لإعتبارات كثيرة، في وقت بلغت الإنھیارات الاقتصادیة والمالیة والإجتماعیة قعرالهوة، التي أوصلوا لبنان إليها بفعل السياسات الخاطئة والمميتة المنتهجة منذ ما قبل ولاية العهد الحالي، والتي تبدو مفتوحة على السیناریوھات الأكثر سوءًا والأكثر سوداوية، إذ تبدو آفاق الحل مسدودة حتى إشعار آخر وسط أوضاع معقدة خیوطها وعناصرها، السیاسی منها والاقتصادي، الداخلی والخارجی، ومن بين هذه الخيوط لا بد من التوقف عند المعطيات التالية:
-المجتمع الدولي الذي تتقدمه فرنسا في ھذه المرحلة يتوجه إلى المسؤولین والطبقة السیاسیة الحاكمة بلغة النصح والتحذیر والمناشدة، من دون فائدة تُذكر، ومن دون أن یلمس تجاوبًا وتحسسًا بالمسؤولیة، لیقف مذھولًا أمام ھذا الوضع الذي لا یجاریه ولا یشبھه أي وضع في أي بلد في العالم.
-الطبقة السیاسیة الحاكمة متمترسة في مواقعھا، ولم یعد یؤثر فیھا لا ضغوط ولا عقوبات ولا أزمات ولا انھیارات. وتعيش مرحلة الشعور بأنھا اجتازت دائرة الخطر، وأن الثورة الشعبیة واحتجاجات الشارع لم تصل الى نتیجة وتم إخمادھا واحتواؤھا بطرق سیاسیة وأمنیة، أو بفعل إصطدامھا بجدار النظام الطائفي.
-الحكومة التي من دونھا لا إصلاحات ولا مساعدات ولا مفاوضات ولا اتفاق مع صندوق النقد الدولي متعثرة وقد أفُرغت من مضمونھا، ولا مؤشرات حتى الساعة على ولادة وشیكة لھا، مع ما تشهده من تجاذبات معاكسة الإتجاهات، إذ أن الأزمة الحكومیة لھا وجھان: الأول خارجي وتندرج في إطاره المواجھة الأمیركیة ـ الإیرانیة التي یتّفرع عنھا الضغط ّ الأمیركي على “حزب الله” في لبنان لإقصائه عن معادلة الحكم، والتریث الإیراني ريثما يتسّلم جو بایدن المقالید الرئاسية وويستقرّ في البیت الأبیض، كما یندرج عدم التناغم بین فرنسا وكل من إیران والولایات المتحدة على الساحة اللبنانیة لأسباب مختلفة. فإیران تعتبر أن الملعب اللبناني لم یعد فرنسیًا، وأمیركا تعتبر أن مھادنة ومسایرة فرنسا لـ”حزب الله” لیست في محلھا.
وھناك الوجه الداخلي للأزمة التي یتمظھر حالیا في عملیة الكباش بين الرئيس ميشال عون وجبران باسیل من جھة والرئيس سعد الحریري من جھة ثانیة، وسط تكافؤ في نقاط القوة والضعف عند الطرفین. الحریري الذي یشكل مفتاحا للعلاقات والمساعدات الدولیة وحاجة للعلاقة السنیّة ـ الشیعیة، ویستقوي بالضغوط الأمیركیة والمبادرة الفرنسیة، لا یملك الأكثریة النیابیة ولا القدرة السیاسیة على فرض شروطه والحصول على ما یرید. والنائب جبران باسیل المحاصر بضغوط وعقوبات یستند الى دعم رئیس الجمھوریة و”حزب الله”، ویقاتل حكومیًا حتى لا یخسر جولة حاسمة ویتعرض لعقوبات سیاسیة عبر العزل والتھمیش والإقصاء.
– أزمة الحكومة وكل ما ھو قائم من أزمات ھي نتاج أزمة النظام. ولم یعد مستغربًا أن تفتح أبواب النقاش على مستقبل النظام والصیغة، وسط اعتقاد سائد بأن نظام الطائف لم یعد قادرا على إحتواء الأزمة الوطنیة الشاملة، وصار بحاجة الى تطویر وتعدیل في الّحد الأدنى. ومن اللافت أنه في ظل أزمة اقتصادیة مالیة خانقة بدأ یعلو الكلام السیاسي وتتقدم عملیة البحث والنقاش في مستقبل النظام، وبدأت الطروحات والمشاریع تُطرح في التداول: من اللامركزیة الموّسعة الى الفدرالیة، ومن الحیاد الى الاستراتیجیة الدفاعیة، ومن النسبیة والدائرة الواحدة الى مجلس الشیوخ وإلغاء الطائفیة السیاسیة الراھنة، وخلاف على أولویات المرحلة. وھكذا یصبح الأفق السیاسي والحالة ھذه مفتوحا على تمدید نیابي وفراغ رئاسي، وتصبح الحاجة ماسة الى حوار وطني یكون أكثر من مؤتمر سیاسي وأقل من مؤتمر تأسیسي.