الإنتخابات مفصليّة… هل يُنقَذ لبنان؟
كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
تضيع بوصلة الإنتخابات النيابية قبل أشهر من إجرائها، وسط غياب للمشاريع الكبرى المطروحة العابرة للمناطق والطوائف والخوف الكبير من أن يؤدي التفلّت الأمني الذي افتعلته مجموعات “حزب الله” وحركة “أمل” لضرب التحقيق في انفجار المرفأ.
خلال فترة الإحتلال السوري للبنان جرت 3 دورات إنتخابية، وكانت أسماء النواب تأتي معلّبة من عنجر، والخرق في بعض الدوائر يكون بغضّ نظر سوري، كي يترك السوريون متنفساً للناقمين عليهم وللقول أن هناك ديموقراطية لا تزال حاضرة في لبنان وبرعاية غازي كنعان أو رستم غزالة بعده.
وبعد انسحاب جيش الإحتلال السوري، جرت أيضاً 3 دورات إنتخابية. ففي دورة 2005 رفعت قوى 14 آذار شعار الحقيقة في جريمة إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، في وقت خاض “حزب الله” الانتخابات ورفع الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله شعار التصويت للمقاومة وضد الهجمة الأميركية. وقد استغلّ العماد ميشال عون العائد من منفاه الباريسي غياب القيادات المسيحية حيث كان رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع لا يزال مسجوناً في وزارة الدفاع، وكذلك استغلّ عون إجراء الإنتخابات على أساس قانون 2000، أي قانون غازي كنعان، ورفع شعار المشاركة وإستعادة حقوق المسيحيين، فأتت النتيجة بفوز 14 آذار بالغالبية واجتياح عون لجبل لبنان الشمالي وزحلة وتثبيت زعامة كل من النائب السابق وليد جنبلاط و”الثنائي الشيعي” في مناطقهما.
وكانت إنتخابات 2009 أقل حدّية نتيجة توقيع “إتفاق الدوحة”، فخاضت قوى 14 آذار المعركة تحت شعار “العبور إلى الدولة” في حين استمرت 8 آذار برفع شعار الدفاع عن سلاح المقاومة، فأتت الغالبية مرة جديدة لقوى 14 آذار لكن من دون ان تستغلها نتيجة الضربة التي تعرضت لها في 7 أيار 2008 وخوفها من سلاح “حزب الله”، وتفرّقت هذه القوى ولم تحكم.
وشهدت إنتخابات 2018 خلطة غريبة عجيبة، إذ إن كل طرف نسج تحالفه بحسب مصالحه الإنتخابية بغضّ النظر عن المواقف السياسية، وأتى مجلس النواب على شاكلة “كوكتيل”، وغابت الشعارات العابرة للمناطق والطوائف بسبب إقرار القانون النسبي لأول مرة في تاريخ لبنان.
وتبدّلت الظروف في هذه الأيام، فبالأمس كانت تُخاض الإنتخابات على أساس شعارات سياسية وعناوين كبرى يتخطّى بعضها حدود لبنان ليصل إلى قضايا المنطقة، أما اليوم فإن علبة الدواء وربطة الخبز وصفيحة المازوت والبنزين أهم ممّا يجري في سوريا والعراق ومصر وزيمبابوي ومدغشقر، فاللبناني يريد تأمين لقمة عيشه وتطبيب نفسه قبل الإهتمام بقضايا المنطقة.
لكنّ الأساس يبقى في العنوان الجامع للمعركة، إذ إن قوى المعارضة غير موحدة على عناوين سيادية وإصلاحية واحدة، كما أن هناك بعض مجموعات الثورة تُحرّكها الغرائز والشعبوية وتتفادى الغوص في الملفات المهمة التي أوصلت البلاد إلى الحضيض، وتختفي عند أول مشكلة حقيقية تقع في البلاد.
من هنا، فإن النقاش المستمر بين قوى الثورة لم يصل إلى اتفاق واضح حول العناوين السيادية والإصلاحية. فعلى سبيل المثال، يتحاشى بعض هذه القوى طرح مشكلة سلاح “حزب الله” الذي ورّط لبنان في أزمات المنطقة واستجلب الخضات الأمنية وضرب علاقات لبنان بمحيطه العربي والغربي، وكاد أن يؤدي إلى فتنة عند أبواب عين الرمانة وفرن الشباك والطيونة.
وأتى تهديد الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله للقاضي طارق البيطار ومحاولة فريقه الوزاري عزله، وأحداث الطيونة وفرن الشباك وعين الرمانة لتصوّب البوصلة ولتقول إن الأساس هو العناوين السياسية السيادية والتصدّي لـ”الدويلة”، لأن الإصلاح لا يتمّ في ظل وجود جيشين وسلاح غير شرعي وحزب يستقوي على جميع اللبنانيين، وبالتالي فلو سلّمنا جدلاً أن بعض قوى المجتمع المدني التي تتحاشى طرح مسألة سلاح “الحزب” فازت في الإنتخابات، فهل سيسمح لها الحزب بأن تحكم؟ وكيف ستطبق برنامجها الإصلاحي إن وُجد أصلاً، في ظل هيمنة السلاح غير الشرعي؟ وهل هي قادرة على الصمود في وجه “غزوة” 7 أيار جديدة في حال قرر “الحزب” ذلك؟
قد يكون الفساد استشرى في المرحلة الاخيرة مع العلم أنه ثقافة متوارثة، في حين أن الأساس يبقى بالإتفاق على العناوين السيادية الكبرى للشروع بعملية الإصلاح.
من هنا، فإن هذه الإنتخابات قد تكون مفصلية للتصويت على الخيارات الكبرى التي تُنقذ لبنان، لا أن يُدخلها البعض في زواريب ضيقة لتضيع الفرصة على الشعب ويُمنع من تحديد أي لبنان يريد، ويُبقي البلد رهينة السلاح غير الشرعي. لذلك فإن المسؤولية باتت مضاعفة على الأحزاب السيادية مثل “القوات” و”الكتائب” و”الأحرار” لقيادة المعركة الحقيقية وتصويب البوصلة في اتجاه الإقتراع لخيار الدولة