بعد الخطاب “الناري”… باسيل “عاد إلى قواعده سالماً”؟!
عاد رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل إلى “قواعده سالماً”. قد يكون هذا الكلام الأكثر تعبيراً عن واقع الرجل، ليس نتيجة إعلان شفائه من فيروس كورونا، ولكن بعد إعادة تموْضعِه السياسيّ الذي تجلّى بوضوح في اليوميْن الماضييْن.
فبعد “هدنةٍ قسريّة” انطلقت منذ بدء “التلويح” بعقوباتٍ أميركيّة قد تستهدفه، واستمرّت خلال مرحلة “تكليف” السفير مصطفى أديب تأليف الحكومة، حيث التزم إظهار “تعفُّفٍ” مُبالَغٍ به، جاء الخطاب “الناري” للرجل في ذكرى 13تشرين، والذي “قصف” من خلاله مجموعة “جبهات” في آنٍ واحد، ليخلط الأوراق مجدّداً.
وما لم يقله باسيل في خطابه، تولّى ترجمته على أرض الواقع، بعدما ظهرت “بصماته” أكثر من واضحة في قرار “ترحيل” الاستشارات النيابية المُلزمة التي كانت مقرّرة اليوم في قصر بعبدا، منعاً لوصول الرئيس سعد الحريري إلى السراي مجدّداً، من دون “المرور” من خلاله، كما أوحت كلّ مُعطيات الساعات الماضية.
تصعيدٌ وأكثر!
في خطابه الأخير في ذكرى الثالث عشر من تشرين، كان واضحاً “انقلاب” باسيل على الصورة التي رسمها لنفسه خلال الأسابيع القليلة الماضية، نافضاً عن نفسه “التعفّف والليونة”، مستعيداً لهجة “التصعيد”، التي امتزجت في مكانٍ ما، مع “استفزازٍ” لشرائح واسعة من الجمهور، تمثّل خصوصاً بحديثه عن الدستور.
فإذا كان صحيحاً أنّ الدستور ليس كتاباً مقدّساً، بمعنى أنّه ليس قرآناً ولا إنجيلاً، كما يكرّر معظم المسؤولين بشكلٍ دائم، وإذا كان الحديث عن بعض “الثغرات” في الدستور قابلاً للأخذ والردّ، خصوصاً في ضوء الأزمات المتكرّرة التي يتخبّط بها اللبنانيون عند كلّ استحقاق، فإنّ “التشكيك بالنوايا” يصبح تحصيلاً حاصلاً، حين يقرّر باسيل أن ينعت الدستور بـ “النتن والعفن”، ما يقضي تلقائياً على “مبادرته” إن وُجِدت، ويحصر كلامه بالخانة “الشعبويّة” في أحسن الأحوال.
ولعلّ “التصعيد” الذي رُصِد في حديث باسيل عن الدستور، تجلّى أكثر في الرسائل “النارية” التي وجّهها لرئيس الحكومة السابق سعد الحريري من دون تسميته، ولا سيّما حين قال إنّ “من يريد أن يرأس حكومة اختصاصيّين يجب أن يكون الاختصاصيّ الأول”، أو أن “يزيح لاختصاصي”، ما ثبّت بالملموس انتهاء مفعول فرضية “الليونة والمرونة” التي كانت سائدة مع أديب، واستبدالها بالشروط التي قد تكون “تعجيزية”.
“ترجمة سريعة”!
لم تتأخّر “ترجمة” الخطاب “الباسيليّ”. كثيرون قرأوا في هذا السياق، في خطوة تأجيل الاستشارات النيابية، التي كانت ستفضي لتسمية الرئيس سعد الحريري بأكثرية “مقبولة”، إن لم تكن “مريحة”، “رسالة” واضحة الأهداف والمغازي من قبل باسيل نفسه، ولو سارع إلى الإعلان بعد التأجيل أنّ “موقفه لن يتغيّر”.
فإذا كانت رئاسة الجمهورية وضعت التأجيل في سياق “تلبية” طلب كتلٍ سياسيّة، فإنّ كلّ القراءات “تقاطعت” على أنّ هذه “الكتل” تختزل في شخص باسيل نفسه، الذي أبدى المقرّبون منه “امتعاضاً” من أداء الحريري، الذي لم يكلّف نفسه عناء “التواصل” مع رئيس “التيار الوطني الحر”، لتقديم “الضمانات” المطلوبة لتعبيد طريق السراي أمام نفسه.
ولعلّ ما أزعج باسيل، ودفع رئيس الجمهورية إلى إرجاء الاستشارات، هو ما أكّدته أوساط تيار “المستقبل” من أنّ الحريري كان سيسير بالتكليف، من دون أصوات الكتلتين المسيحيتين الأساسيتين، وهو ما ظهر أصلاً بتعمّد وفد “المستقبل” افتتاح جولته على الأفرقاء برئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية الداعم له، أو بالحديث عن وجود زهاء 22 نائباً مسيحياً داعمين له من خارج “التيار” و”القوات”، علماً بأنّ “الحُجّة العونية” المرتبطة بـ “الميثاقية المسيحية”، تصطدم بتجربة حسّان دياب الذي قَبِل “العهد” بتكليفه رغم افتقاده “الميثاقية السنّية”.
ولّى زمن “التعفّف” وعاد زمن “التصعيد”. هكذا يبدو واقع الخطاب “الباسيلي” الذي استعاد موقعه الطبيعي في الساعات الماضية، كما يقول كثيرون، ليخلط كلّ الأوراق مجدّداً، في وقتٍ باتت تُرسَم علامات استفهام حول الموقف الذي سيتّخذه الحريري في المقابل، وما إذا كان سيقابل أداء باسيل بالمزيد من “الإصرار”، أم يذهب إلى “سحب ترشيحه”، في خطوةٍ قد لا يكون ما بعدها محسوباً…
lebanon 24