مستقبل طلاب لبنان في خطر.. ما العقبات في طريق العودة للمدارس؟
يلف الغموض مصير عشرات آلاف الطلاب اللبنانيين خاصة أنهم على مسافة أيام قليلة من انطلاق العام الدراسي الجديد بدءا من منتصف أيلول الجاري.
ويرجح خبراء تربويون أن تشتد الأزمة بعد عامين من تعثر التعليم بسبب جائحة كورونا، واستفحال الانهيار في لبنان منذ خريف 2019، نظرا لتأثر القطاع التعليمي بأزمات البلاد، كشح المحروقات ورفع الدعم التدريجي عنها، وخسارة الليرة اللبنانية أكثر من 95% من قيمتها. فكيف تتحضر العائلة التربوية لخوض غمار هذا العام الدراسي؟
في نهاية آب الماضي، أعلن وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال طارق المجذوب خطة وزارته للعودة الحضورية بدءا من 27 أيلول الجاري في المدارس الرسمية، تاركا للمدارس الخاصة حرية وضع خطتها للعودة إلى التدريس.
وبينما تكثف وزارة التربية اجتماعاتها مع الوزارات المعنية والنقابات والروابط التعليمية، ومع الجهات الدولية المانحة، يرى كثيرون أنها تأخرت باجترار الحلول في انتظار التسويات المالية والإجرائية.
وكان رئيس الجمهورية ميشال عون أعلن عن توجهه لعقد مؤتمر تربوي بالقصر الجمهوري. غير أن مصدرا رسميا في وزارة التربية، يوضح للجزيرة نت، أن موعد المؤتمر لم يحدد بعد، وأن الوزير المجذوب يستكمل اجتماعاته مع المانحين الأجانب، ويطالب بتوفير دعم المحروقات المدرسية، ودعم أسعار الكتب المدرسية والقرطاسية، وجميعها يرتبط بالقرار الرسمي لتوفير التمويل لها، سواء من خزينة الدولة أو من مصرف لبنان المركزي أو الحصول على منح خارجية.
مشاهد المكتبات
وتبدو معظم المكتبات المدرسية شبه فارغة خلافا للمواسم السابقة، في حين أن الكتب الوطنية للمدارس الرسمية لم تطرح بالأسواق بعد نظرا للخلاف على آلية تسعيرها.
وتجول اللبنانية سعاد محمد (39 عاما) في إحدى المكتبات، وتعبر عن صدمتها من الارتفاع الكبير في أسعار الكتب، وتقول للجزيرة نت “أحتاج ربما 3 رواتب شهرية كي أشتري كتب أولادي مع القرطاسية”؛ ثم تمضي بحثا عن نسخ مستعملة من أهالي طلاب مدرسة أبنائها.
وتشير إحدى العاملات في المكتبة في حديث للجزيرة نت إلى أن ارتفاع أسعار الكتب يعود للتسعيرة المعتمدة لدى دور النشر، وتستند إلى طرح وزارة الاقتصاد اعتماد نسبة 45% من سعر الكتب على سعر صرف الدولار في السوق السوداء (غير الرسمية)، الذي تجاوز أخيرا 19 ألف ليرة، مما يجعل سعر دولار للكتاب بمعدل 9 آلاف ليرة.
وأبرزت محمد لوائح كتب بعض المدارس الخاصة، وقد تجاوزت أكثر من 3 أضعاف كلفتها السابقة، خصوصا وأن بعض الكتب الأجنبية مستوردة من الخارج وتباع حصرا بالقيمة الفعلية للدولار أو اليورو، وكذلك بعض مستلزمات القرطاسية.
معاناة الأهالي
وعمدت بعض إدارات المدارس الخاصة إلى رفع أقساطها بالليرة بمعدلات 30% وأحيانا قاربت 70%، في وقت فاجأت فيه بعض المدارس أهالي الطلاب بفرض دفع مبلغ بالدولار النقدي، وفق ما يشير يحيى الحسن، طبيب وناشط مدني وتربوي وأب لطالبين.
وشكا الحسن للجزيرة نت من معاناة الأهالي الذين يعيشون هواجس غير مسبوقة بشأن مستقبل أبنائهم، خصوصا أن الأزمة، وفقا له، أطاحت بالقدرة الشرائية للبنانيين وسحقت من كانوا محسوبين على الطبقة الوسطى.
وقال إن الأزمة الاقتصادية والمعيشية جاءت كرصاصة الرحمة بعد جائحة كورونا على القطاع التعليمي، في ظل غياب الدولة عن أداء دورها في رعاية المواطنين.
ولفت إلى أن بعض المدارس الخاصة تفرض دفع نسبة بالدولار من دون إدخالها في الموازنة السنوية، التي من المفترض أن تحظى قانونيا بموافقة لجان الأهالي.
وهنا، يؤكد نقيب المعلمين في المدارس الخاصة رودولف عبود للجزيرة نت أن كل زيادة على الأقساط بالليرة من خارج الموازنة المدرسية غير شرعية، وأن فرض دفع نسبة من الأقساط بالدولار يعد مخالفة واضحة للقوانين اللبنانية.
لكن المدارس تعاني من أزمات كبيرة، وفق عبود، وتحتاج لدعم مباشر من الدولة كالتساهل في بعض الضرائب، والحصول على المحروقات بأسعار مدعومة وإعطاء سلفات دعم لرواتب الأساتذة والكلفة التشغيلية للمدارس.
ويشدد منسق اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة قحطان ماضي على أن على الدولة أن تقوم بواجباتها لدعم الطلاب، ولا ينفي للجزيرة نت حاجة المدارس لموارد مالية جديدة، رافضا باسم الأهالي استضعافهم بفرض زيادات على الأقساط، في حين أن معظمهم من الموظفين العاديين في السلكين المدني والعسكري.
وخسر اللبنانيون تدريجيا قيمة مداخيلهم، فصار الحد الأدنى للأجور مثلا يوازي 35 دولارا بعد أن كان 450 دولارا.
وفي دراسة للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا “إسكوا” (ESCWA) مطلع أيلول الحالي، حذرت من تضاعف نسبة السكان في لبنان الذين يعانون من الفقر المتعدد الأبعاد بين عامي 2019 و2021 من 42% إلى 82%.
صرخات الأساتذة
وتحت شعار “يوم الغضب”، شارك أمس الأربعاء نحو ألف أستاذ من معلمي القطاع الرسمي والخاص في اعتصام أمام مبنى وزارة التربية ببيروت، ورفعوا شعارات من بينها “لا عودة إلى المدارس قبل تصحيح الرواتب”.
ويشير رئيس رابطة التعليم الأساسي الرسمي في لبنان حسين جواد إلى أن العام الدراسي يبدأ حين يستعيد الأساتذة القدرة الشرائية.
وقال للجزيرة نت إن الأساتذة يرفضون خسارة العام الدراسي، “لكن الرهان على إنصاف الدولة للمعلمين، لأن راتب أفضل أستاذ صار لا يتجاوز 150 دولارا”.
تداعيات تربوية
ومع ضيق الوقت، ما زال مصير العام الدراسي قاتما، لتقفز التساؤلات على مستقبل التعليم في بلد يعيش انحلالا كبيرا على شتى المستويات.
وتعتبر هيام إسحق، رئيسة قسم العلوم في كلية التربية بالجامعة اللبنانية ومستشارة في المركز التربوي للبحوث والإنماء، أن العام الدراسي أمام تحد، فإما العودة الحضورية للمدارس، وإما خسارة العام مطلقا.
وإذا توفّر للمدارس والأساتذة والطلاب ما يلزم من المحروقات المدعومة، وفق إسحق، تصبح العودة تلقائية، لأن التعليم عن بُعد لم يثبت فعاليته نتيجة انهيار البنى التحتية.
ورغم أن مطلب زيادة الرواتب للأساتذة محق وطبيعي برأي إسحق، فإن تحقيقه في ظل إفلاس خزينة الدولة يبدو صعبا للغاية.
وقالت للجزيرة نت إن التعليم يواجه خطرا وجوديا، و”على الجميع تقديم التضحيات لإنقاذ مستقبل الطلاب”.
ويتألف العام الدراسي من 32 أسبوعا، لكن العام الفائت تعلم الطلاب أقل من 13 أسبوعا، مما يعني عدم تحقيق الكفاية التربوية، وتوضح إسحق أن مركز البحوث يعمل على تقليص المنهاج للعام الحالي لنحو 18 أسبوعا مراعاة للظروف الاستثنائية، كما يعمل على ورشة لتحديث المناهج للسنوات المقبلة.
أما الباحثة التربوية والأستاذة المتقاعدة بكلية التربية سهام حرب فرأت أن ما يشهده التعليم نتيجة لتراكم عقود من سوء الإدارة والفساد، وتحمّل وزراء التربية المتعاقبين مسؤولية عدم العمل على رؤية تربوية بعيدة المدى.
وقالت للجزيرة نت إن القطاع التربوي يشكو أزمة بنيوية نظرا لغياب التشبيك بين الوزارة والمديريات ومجلس الخدمة المدني، وتصف المدرسة الرسمية بـ”الولد الفقير” للدولة، إلى أن فقدت ثقة حتى أساتذتها، الذين يوفرون مداخيلهم لتعليم أبنائهم بالمدارس الخاصة.
ومن وجهة نظر الباحثة، فإن الحلول التي يُعمل عليها ترقيعية وغير مستدامة، “لأن القطاع التعليمي يحتاج لدراسة معمقة وعلمية وإحصائية، إضافة إلى ضرورة إعادة تأهيل كليات التربية، ولن يتحقق مع سلطة تسببت في سلسلة الانهيارات التربوية، مما يشكل خطرا بليغا على مستقبل الجيل الجديد”.