لبنان

ماذا يريد جبران باسيل؟

أحسب أن كثيرين إستمعوا إلى كلام رئيس “التيار الوطني الحر”الوزير السابق جبران باسيل، في الذكرى الثلاثين لحرب 13 تشرين الأول. وكالعادة إنقسم المستمعون والمشاهدون إلى ثلاث فئات.

الفئة الأولة هي جمهور “التيار الحر” والمؤيدون والمناصرون، الذين صفقّوا كثيرًا وهللوا ومدحوا وطبّلوا وزمّروا، ولهؤلاء آراؤهم في ما سمعوا، سواء عن إقتناع أو نتيجة الإنقياد التلقائي وإنخراطهم في خط لسنا في وارد مناقشة قناعات الذين “يؤلهون” الشخص، ولكل منا قناعاته وآراؤه.
ولهذه الفئة أعدّ هذا النوع من الكلام، وهو كلام يستثيرها لما فيه من شعبوية تفرضها المناسبة ومخاطبة جمهور هو في الأساس مجيّش ومهيّأ لسماع هكذا نوع من الكلام التعبوي، الذي أقلّ ما يُقال فيه أنه لم يعد يصلح لمثل هذا الزمن، مع ما كل ما فيه من رداءة نتيجة السياسات الخاطئة، الذي كان “التيار”، ولا يزال جزءُا مهمًّا منها، بل شريك أساسي في عملية إيصال البلد إلى الدرك الذي وصل إليه، بكل ما فيه من مساوىء، هي نتيجة طبيعية للمارسات الخاطئة، وبالأخص في السنوات الأربع الأخيرة، التي لم تشهد البلاد مثيلًا لها، من حيث النتائج الدراماتيكية على كل صعيد وفي كل مجال.
الفئة الثانية هي الفئة التي باتت تمجّ كل الكلام السياسي، الذي لم يوصلها، كما تعتقد، سوى إلى المهالك وإلى الإفلاس وإلى الجوع والفاقة والعوز، وهي أصبحت ترفض أي كلام يخرج عن منطقها ولا يؤّمن لها الحدّ الأدنى من العيش بكرامة في وطن يتساوى فيه الجميع، أو هكذا يُفترض كما هي الأحوال في الأوطان، التي تحترم حقوق الإنسان وحقوق الفرد، أيًّا كان إنتماؤه أو دينه أو لونه، لأن شرعة حقوق الإنسان مقدّسة فيها.
هذه الفئة، وقد تكون أغلبيتها من بين الذين نزلوا إلى الشارع، سلميًا، رفضًا لكل هذه الطبقة الحاكمة، وقالت بالفم الملآن “كلن يعني كلن”، لأنها تعتقد أن معظم هذه الطبقة متورطون بالفساد، الذي كان إنفجار المرفأ وما خلفه من كوارث بشرية ومادية، أحد نتائج هذا الفساد الذي ينخر الدولة في صميمها.
أما الفئة الثالثة، وهي الفئة التي تسمع وتحلّل وتستنتج، وهي تقيس الأمور بمقاييس وازنة وتعطي لكل ذي حق حقّه. فالعواطف لدى هذه الفئة لا تلعب دورًا مهمًّا، وإن كان الأمر بعض الأحيان يستلزم الإنقياد إلى ما يشير إليه العقل والقلب معًا.
هذه الفئة إستمعت إلى كلام باسيل وخلصت إلى النتائج التالية، من دون أن يكون لملاحظاتها أي خلفية مسبقة:
أولًا، في الأسلوب، إذ تمّ رصد الطريقة الإستفزازية والفوقية التي يتحدّث بها رئيس “التيار البرتقالي”. فهو يعتبر أنه على حقّ وصواب فيما جميع الآخرين على خطأ في النظرة وفي الأبعاد السياسية لكل حدث يكون فيها لـ”التيار” موقف من قضية مطروحة على بساط البحث، حتى أن بعض الذين كانوا يُعتبرون في خطّ المؤيدين له رأوا أن اسلوب باسيل منفّر وإستعلائي، وهو اسلوب ممجوج ومنتهي الصلاحية.
ثانيًا، في المضمون، حيث تم تسجيل الملاحظات التالية:
1. رأى باسيل أن النظام السائد هو نظام عفن ونتن. صحيح أن ثمة أموراً في الدستور يجب أن يُعاد فيها النظر، وهي تعيق تطبيق هذا الدستور وفق روحيته ومنطقة التشريعي.، ولكن هذا لا يعني أن الدستور عفن.
2. لا يوجد في العالم دستور صالح وجيد إذا لم يكن هناك مواطنون صالحون ويلتزمون تطبيق الدستور والسير بنهجه، ولا يخضعونه لمصالحهم الخاصة، فيكون تارة جيدًا عندما يتناسب وهذه المصالح، وطورًا يكون رديئًا عندما لا تتطابق مواده مع مصالح هذا أو ذاك.
3. إذا كان هذا النظام نتنا وعفنا، كما يقول باسيل، فإن ذلك يُعتبر من حيث المسلكية العامة إنفصامًا في الشخصية، إذ نسي أو تناسى رئيس تكتل “لبنان القوي” أنه ومعه العهد هما نتيجة طبيعية لهذا النظام، وهما جزء اساسي فيه، ووفق هذا النظام هما يجلسان حيث يتربعان، ولولا هذا النظام لما كان لهما ما يُسمّى “العهد القوي”.
4. أما إذا كان باسيل يمهدّ لمّا يُروج له من إعادة النظر بالطائف بمجمله ويهّول بـ”الموتمر التأسيسي”، فإنه سيكون أول المتضررين من هذا الإنقلاب، بإعتار أنه يحكم بإسم هذا الدستور، وأن رئيس العهد هو الوحيد الذي اقسم على الحفاظ على هذا الدستور، اي بمعنى آخر على الطائف، بحسناته وسيئاته.
ويبقى السؤال: ماذا يريد جبران من دون جواب، وإن كان البعض فسّر كلامه على أنه يسعى إلى الفدرلة.

lebanon 24

مقالات ذات صلة