مهلة فرنسية جديدة: تصلّب “الثنائي” بدعم إيراني يؤجّل الحكومة
تشدد “الثنائي الشيعي” إلى أقصى الحدود ليل الأحد. لا حكومة ولا مبادرة فرنسية تنجح من دون مراعاة موقفه، ومن دون الحصول على وزارة المال للطائفة الشيعية. عندما أعلن الرئيس نبيه بري في بيانه عدم رغبة حركة أمل المشاركة في الحكومة وفق المسار المرسوم، اعتبر كثر أن الرجل يحيد جانباً لتسهيل ولادة حكومة المستقلّين. لكن الحسابات كانت مختلفة كلياً. بدا برّي أصلب بكثير من أي مواقف أخرى. والعاملون على خطّ التشكيل كانوا يقرأون مواقفه بأنها ممارسة لأقصى أنواع الضغط، وصولاً إلى “إخراج أرنب جديد”، من “عندياته”، ليمرر التسوية، ولا يقف بوجه المبادرة الفرنسية. لكن التقدير لم يصب. ما فكر فيه البعض أن برّي قد يرضى بمقايضة وزارة المالية بوزارة الداخلية، مع ضمانة فرنسية ومحلية بأن وزارة المالية في الحكومة التي تلي حكومة مصطفى أديب ستعود إلى الطائفة الشيعية، تكريساً لمبدأ التوقيع الشيعي (تثبيتًا لما صار يعرف بـ”الميثاقية”!).
موقف إيراني
كان برّي في مكان آخر غير قابل للتزحزح. أجريت اتصالات عديدة بينه وبين حزب الله والفرنسيين، وأوصلوا رسالة مباشرة إلى الرئيس الفرنسي مفادها أن هذه المبادرة لا يمكن أن تنجح بالضغط. فحتى لو تمكنت باريس من فرض حكومة بالتخويف بالعقوبات والتهديد بها، فإن الحكومة لن تحقق أي انجاز. وهناك أوراق كثيرة لدى الثنائي الشيعي، تبدأ في المجلس النيابي ولا تنتهي في الشارع وتحريكه، بالإضافة إلى استحقاقات كبيرة ستواجهها في ملفات مالية ومعيشية واقتصادية. قرأ الفرنسيون هذا الكلام بتمعّن كامل.
وحسب ما تكشف المعلومات، حدث تواصل فرنسي إيراني، أبدت فيه طهران تشدداً في موقفها على الساحة اللبنانية. فهي غير مستعدة للتضحية بأي من المكتسبات التي حققها حزب الله والشيعة في بنية النظام اللبناني، أو في إدارة الملفات السياسية والتحكم بها، بما يؤدي إلى تغيير وجهتها. أصرت إيران على حماية هذه المكتسبات التي لا حياد عنها، بينما كان الثنائي الشيعي يقول للفرنسيين إنه لا يمكن تشكيل حكومات بهذا الشكل في لبنان، واستثناء مكونات أساسية، ولا بد من إعادة آلية التفاوض والتوافق، وتمديد المهلة الفرنسية لأيام إضافية. وحسب المعلومات فإن الفرنسيين منحوا مهلة جديد لا تتجاوز الأيام القليلة، بمعنى أنها ليس مهلة مفتوحة.
عون بين نارين
إلى جانب موقف الثنائي الشيعي، كان هناك تشدد من قبل رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي وقع بين نارين، نار العقوبات واضطراره إلى السير بالتشكيلة الحكومية المقدمة له لتجنبها، ونار الاصطدام بالثنائي الشيعي، كما أنه لم يسقط من حساباته أن توقيعه على التشكيلة كما ترده ستؤدي إلى الإطاحة بكل ما كرّسه من أعراف منذ تسوية 2016، أي مشاركته وتأثيره في عملية تشكيل الحكومة، وفق مبدأ “الصراع على الصلاحيات”. فكان لا بد له أيضاً أن يعمل على تحسين صورته وحفظ ماء وجه “صلاحياته” التي قاتل في سبيلها، عبر مطالبة رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب بضرورة التشاور مع كل القوى، ومعه خصوصاً، للموافقة على التركيبة.
على هذا الأساس توجه أديب إلى بعبدا، حاملاً معه تصوراً حكومياً، لكنه لم يقدّمه كتشكيلة نهائية، إنما ترك الباب مفتوحاً للتشاور مع عون، بما يرضيه ولو شكلياً. وحسب المعطيات، فإن أديب سيعمل على التشاور مع الثنائي الشيعي وعون للاتفاق على التشكيلة الحكومية قبل تقديمها، بعد ضغوط كثيرة رفضاً لاقتصار التشاور على رؤساء الحكومة السابقين وفرنسا. وما دفع بأديب لتغيير موقفه، إلى جانب كل الأسباب الآنفة الذكر، هو حجم الرسائل التي تم إيصالها من عين التينة وحارة حريك إلى بيت الوسط.
الحريري يتريث
طوال يوم الأحد كان الحريري يعيش نشوة انتصار، بتمكنه من فرض ما يريده من خلال تشكيلة مصطفى أديب الحكومية، وبعدم مشاركة عون وجبران باسيل في عملية التأليف وفرض شروطهم. تلك النشوة استفزت حزب الله وبرّي إلى حدّ بعيد. وقد أُرسلت رسائل واضحة إلى بيت الوسط، بأنه لن يكتب لهذه الحكومة الولادة بهذا الشكل. وهناك الكثير من الأوراق لدى الثنائي، ومخطئ من يظنّ أنه قادر على كسرهما أو لي ذراعهما أو إظهارهما في موقع المهزوم. رسائل بري كانت قاسية جداً للحريري، واصفاً إياه بأنه الذي خرج على كل الأصول، بينما هو كان ملتزماً بالحريري حتى في ظل حكومة حسان دياب، وبقي متمسكاً به إلى حدّ تقديم “لبن العصفور” له، وبأنه أعطاه أكثر مما أعطى والده. كل هذه المواقف دفعت بالحريري إلى التريث، والتهدئة.
ثلاثة احتمالات
أعاد التصلب والتصعيد ورفع السقف خلط الأوراق الحكومية مجدداً، الثنائي الشيعي متمسك بوزارة المال، انطلاقاً من مبدأ “الميثاقية”. وهي ستكون عاملاً مؤسساً لأي بحث جديد في تطوير النظام السياسي. جولة التفاوض والتشاور التي تفتح مجدداً، لا تشير إلى أن الثنائي مستعد للتنازل. وعليه، سيكون لبنان أمام ثلاثة احتمالات: إما إجهاض المبادرة الفرنسية وضياع الفرصة. وإما انتزاع وزارة المال مع إيجاد صيغة للتوافق على اسم الوزير، بعدما يرسل الثنائي الشيعي لائحة بالأسماء فيختار الفرنسيون واحداً من بينها. أو يرسل الفرنسيون جملة أسماء فيختار الثنائي أحدها. أما الاحتمال الثالث، بحال استمرت الضغوط لتكريس مبدأ المداورة الذي يشمل وزارة المال، فيقدم أديب تشكيلته ويوقع عليها رئيس الجمهورية، لتسقط في المجلس النيابي أو تنال ثقة هزيلة، ويدخل الثنائي في مواجهة مباشرة ومفتوحة معها.
على الطريق أحداث كبرى ستقع، وضغوط من مختلف الأنواع، ورسائل في السياسة وربما في الأمن أيضاً.
المدن