“خلط أوراق”.. هل “تضرب” واشنطن “المبادرة الفرنسيّة”؟!
فيما كان الفرنسيّون يواصلون محاولاتهم لـ “تعويم” مبادرتهم، و”إنعاشها” من خلال طرحٍ من هنا وتسويةٍ من هناك، عاد “خلط الأوراق” ليتصدّر المشهد، مع مواقف خارجيّة، من واشنطن والرياض تحديداً، بدت تغرّد في سربٍ مختلفٍ تماماً، لا يلاقي بالضرورة “روحيّة” المبادرة الفرنسيّة.
على رأس هذه المواقف، خطف الأضواء خطاب العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث حضر لبنان “طبقاً رئيسياً” على كلمته، التي تضمّنت هجوماً مباشراً على “حزب الله”، وصولاً لحدّ الإعلان بأنّ “تجريد هذا الحزب الإرهابي من السلاح” شرطٌ لتحقيق الأمن والاستقرار.
ولم يتأخّر الأميركيّون في اللحاق بالركب، فكرّروا مجدّداً، على لسان مساعد وزير الخارجية ديفيد هيل، “شروطهم” لمساعدة الشعب اللبناني، تحت عنوان “التزام القادة السياسيين بالتغيير”، متّهمين “حزب الله” تحديداً بأنّه من “يرعى الفساد في البلاد، ويضحّي بمصالح الشعب في مقابل جمع الأسلحة، وتنفيذ نشاطاته إقليمياً”.
أين الجديد؟
صحيحٌ أنّ هذه المواقف أحدثت “نقزة” لدى بعض المتابعين والمهتمّين بالشأن اللبناني، باعتبار أنّ المبادرة الفرنسية “المترنّحة” لديها ما يكفي أصلاً من مشاكل، وليس لديها القدرة لمواجهة المزيد من “التعقيدات” في الوقت الحاليّ، خصوصاً إذا ما جاءت من الخارج، ومن عواصم لا يمكن لأحد نكران حجم “تأثيرها” على الواقع الداخلي.
لكن، في مقابل هذه “النقزة”، ثمّة من رأى أنّ هذه المواقف أتت في سياقها الطبيعيّ، وهي لم تحمل جديداً لم يكن مُنتظَراً. فالتصويب السعوديّ مثلاً كان مركّزاً على “حزب الله”، في استكمالٍ لسياقٍ ليس وليد اليوم، بل بدأ منذ سنوات، ربطاً بالصراع السعودي-الإيراني المتفاقم، وقد شهد موجات أكثر عنفاً في محطّاتٍ سابقة كثيرة، ما جعل التوصيف السعوديّ لـ “الحزب” بـ “الإرهابي” تلقائياً.
أما المواقف الأميركية المستجدّة، فقد صدر في الأسابيع الماضية، وعلى لسان هيل نفسه فضلاً عن غيره من المسؤولين في الإدارة الأميركية، ما هو “أقسى” منها شكلاً ومضموناً، علماً أنّ الأميركيّين أنفسهم “فصلوا” بين مواقفهم، بل برنامج العقوبات، ومسار المبادرة الفرنسيّة، مؤكّدين دعمهم للمبادرة الفرنسية، و”تنسيقهم” خطواتها مع الفرنسيّين، ولكن ضمن مهلة محدَّدة وبرنامج واضح.
لا تأثير…
انطلاقاً ممّا سبق، ثمّة من يرى أنّ “لا تأثير” للمواقف السعودية والأميركية وغيرها على الشأن الداخليّ اللبنانيّ، ولا سيّما الحكوميّ، أياً كانت درجة “التصعيد” التي اتّسمت بها، أو يمكن أن تتّسم بها في القادم من الأيام، حتى لو كان هناك في الداخل من لا يزال “يسيّر” تحرّكاته بناءً على تصريحٍ من هنا أو هناك.
ويعتقد أصحاب هذا الرأي أنّ مثل هذه المواقف لا ينبغي أن تؤدي إلى “تقييد” المبادرة، خصوصاً أنّ دعم المبادرة الفرنسية يكاد يكون جامعاً لكلّ المهتمّين في الشأن اللبناني، وعلى رأس هؤلاء الأميركيون والسعوديون، بوصفها “الفرصة الأخيرة” الممنوحة لهذا البلد، حتى يتمكّن من “الصمود” في وجه “الأعاصير” المحدقة به، كما أنّها تشكّل “اختباراً حقيقياً” للمسؤولين للشروع في التغيير الذي ينشده الجميع أيضاً.
ويقول العارفون في هذا السياق إنّ المسؤوليّة تبقى على عاتق القيادات اللبنانيّة لإنجاز مهمّتها، والإسراع بتأليف الحكومة، بعيداً عن “التذرّع” بمؤامراتٍ خارجيّة من هنا، أو حصارٍ ما من هناك، بالتوازي مع التعامل مع الملفات كما كانت تفعل طوال السنوات الفائتة، من دون أيّ “تغيير”، ولو شكليّ، أو من باب “رفع العتب” بعد المتغيّرات الهائلة التي حصلت، وكان آخرها انفجار المرفأ المشؤوم.
بمُعزَل عن بعض التصريحات، “تصعيدية” كانت أم “تسووية”، تبقى المشكلة أولاً وأخيراً في الداخل، وتحديداً في “العقلية” التي لا تزال تسيطر على معظم المسؤولين، ممّن يسعون لتقاسم “الكعكة” كما لو أنّ شيئاً لم يكن، تحت طائلة “التفريط” بالمبادرة الفرنسية، بل بالبلد ككلّ، إذا لم يحصلوا على “حصّتهم”، وهنا بيت القصيد…