لبنان

لماذا أقفلت 6 آلاف نقطة بيع في لبنان؟

كتبت نسرين مرعب في “أساس ميديا”:

“هالعهد كتير قوي علينا رجّعونا للعهد الأضعف”، هي الجملة الأكثر انتشارًا في أوساط اللبنانيين، بعدما تخطّى حاجز الدولار الـ15000 ليرة، قبل أن يعود ويرابط عند 11000 ليرة.

الأزمة ليست هنا فقط، بل إنّ أحد وجوه الأزمة يكمن في أنّ مقولة “اللبناني لن يجوع”، لم تعد واقعيّة. فعلى ما يبدو يتّجه لبنان، بأغنيائه وفقرائه، على أزمة جوع، في ظّل شحّ المواد الغذائية، وعدم القدرة على الاستيراد، إضافة إلى الأسعار التي تشهد يوميًّا ارتفاعًا جنونيًّا”.

العديد من المحال التجارية والسوبرماركت أقفلت أبوابها، وقد أقفلت 6 آلاف نقطة بيع في لبنان خلال الفترة الأخيرة، بحسب عضو نقابة أصحاب المتاجر ورئيس مجلس إدارة “سبينيس” حسان عز الدين، الذي قال إنّها انخفضت من 28 ألف إلى 22 ألف نقطة.

يقول أحد أصحاب السوبرماركت في منطقة القبة لـ”أساس”: “ما عادت موفّاية معي”، مضيفًا: “قررت أن أُقفل السوبر ماركت موقتًا حتى اتّضاح صورة الوضع”.

وفيما صاحب هذا السوبرماركت “تريّث” قبل اتخاذ قرار الإقفال النهائي، ربما لأنّ وضعه المادي لا يزال مقبولًا ولا يزال قادرًا على الصمود، اتّجه في المقابل أصحاب الدكاكين الصغيرة إلى التصفية والإغلاق التام، والعبارة التي تسمعها خلال جولتك على بعضهم: “ما عاد معنا مصاري نجيب بضاعة”.

إذًا، هذه هي صورة لبنان اليوم: أصناف غذائية بدأت تصير مفقودة في بعض أنحاء السوق، مثل البيض والحليب وحتى السكّر، وشجارات بعضها مسلّح على علب الحليب والزيت وأكياس السكر المدعومة، ومحال مغلقة، وأخرى مزدحمة، وذلك بعد لجوء العديد من المواطنين إلى “التموين” بكثافة.

إذ يتخوّف جزء من المواطنين من أن تصير لقمة الخبز مفقودة وغير متاحة بعد اليوم. فها هو نائب رئيس اتحاد نقابات الأفران والمخابز المستقيل علي ابراهيم، يسأل في بيان أصدره، عن السبل التي يمكن اعتمادها للاستمرار في تأمين الرغيف للمواطن، من دون تحميل أصحاب الأفران خسائر مالية كبيرة. أما اللحوم في لبنان فباتت “لمن استطاع إليها سبيلًا”.

هذا الوضع “المتردّي” دفع 35% من الأسر اللبنانية إلى تخفيض عدد وجباتها اليومية، وذلك وفق استطلاع أجراه “برنامج الأغذية العالمي” و”البنك الدولي” نهاية العام، ونُشرت نتائجه قبل يومين.

وفق برنامج الأغذية العالمي والبنك الدولي، فقد تجاوز معدّل التضخم في أسعار السلع الـ400 % أما ثمن السلة الغذائية التي تتضمن الأرز والبرغل والمعكرونة والزيت، فقد تضاعف 3 مرّات منذ تشرين الأوّل 2019، في حين ارتفع سعر الخبز بنسبة 91.5%، أما اللحوم فارتفع سعرها بنسبة 110% مقابلة ارتفاع سعر الدجاج 65%.

التقرير نفسه يوضح أنّ متوسط الراتب الذي كان يوازي 627$، بات يعادل اليوم 60$، أما الحدّ الأدنى للأجور فلا يتخطّى عتبة الـ 45$.

وأشارت الدراسة إلى أنّ معدل البِطالة بلغ في نهاية العام 2020 ما نسبته 39.5%، فيما انخفضت الوظائف بدوام كامل في قطاع البناء بنسبة 40%، أما قطاع الفنادق والمطاعم فقد سجّل تراجعًا بنسبة 31%.

فما هو الوضع اليوم في السوق الغذائي اللبناني؟ وهل تسعّر البضائع بالدولار الأميركي؟

نقيب مستوردي المواد الغذائية، هاني بحصلي، أوضح لـ”أساس” بدايةً، أنّهم ليسوا الجهة التي دعت إلى التسعير بالدولار، موضحًا: “نقابة السوبرماركت دعت للتسعير بالدولار. نحن كمستوردين نسعّر أساسًا بالدولار، ولم يتغيّر أيّ شيء. قانون التجارة وقانون حماية المستهلك يرفضان البيع للمستهلك النهائي بالليرة اللبنانية، أي في السوبرماركت، واليوم صاحب السوبرماركت يسعّر باللبناني ويغيّر كل فترة بسبب اختلاف السعر، لذلك طلبوا التسعير بالدولار. هذا لا يعني أن يدفع المواطن بالدولار، وإنّما باللبناني على أساس سعر الصرف، وهذا ما يحصل أساسًا، فالتسعير يتم من قبل السوبرماركت على سعر اليوم، والتسعير وفق الدولار قد يكون في مكان ما لمصلحة المواطن”.

واعتبر بحصلي أنّ المشكلة ليست في قدرة المواطن الشرائية، متسائلًا: “هل يستطيع المواطن الدفع سواء بالليرة أو الدولار؟”.

أما عن أزمة المواد الغذائية وحقيقة فقدان أصناف من السوق، فأوضح نقيب مستوردي الموادّ الغذائية، أنّ “الموادّ الغذائية موجودة اليوم في المنازل، وعلى رفوف السوبرماركت، ولدى المورّد في المستودعات. في الوقت الحالي موّن كثيرون البضائع في البيوت، وبالتالي الرفوف في المحال هي التي نقصت لا الموادّ في السوق”، مشددًا على أنّه “لا نقص في المواد الغذائية في السوق حتى اللحظة، كي نتحدث بالأمن الغذائي. ولكن بسبب الفوضى لا يعلم المورّد وفق أيّ سعر صرف سيسلّم بضاعته”.

غير أنّ بحصلي لم يستبعد أزمة في الأمد المنظور إن لم يتحسّن الوضع: “هناك ارتفاع رهيب في سعر الصرف، وقد لا نجد الدولار لتمويل مشترياتنا الجديدة، ما يمنعنا من شراء كميات كافية. غير أننا لسنا طبعًا في مجاعة 1916، البضائع ستقلّ لكن لن تنقطع، وسيكون هناك بدائل في السوق”.

وفيما لا يرى البحصلي أيّ إيجابية مرتقبة في الوضع العام، يتوقف عند المشاهد المذلّة لمواطنين يتهافتون على البضائع المدعومة: “هذه البضائع تصل إلى السوبرماركت بكميات محددة، لذلك اصحاب السوبرماركت يعرضونها وفق آلية معينة كي يستفيد منها الجميع. وانتقاد مستودعات السوبرماركت ظالم، لأنّ الهدف من هذا التقنين هو التوزيع العادل على المستهلكين”.

رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو أكّد لـ”أساس” من جهته، أنّ “الاستيراد يتراجع، لكنّ السلع موجودة ومخزّنة بانتظار رفع الأسعار، لأنّ الدولار لا يستقرّ. والتجار يتخوّفون من بيع بضاعة اليوم في ظلّ ارتفاع سعر الصرف، والذي بلغ الأسبوع الماضي نسبة 35%”.

لكن هل سيجوع الغنيّ في لبنان كما الفقير؟

“لا خوف على الغني، في الحروب والقصف كانت تأتي البضائع من كل دول العالم”، هذا ما يوضحه برو، لافتًا إلى أنّ “التجارة لن تتوقف. ولكنّ الفقراء هم سيدفعون الثمن في ظلّ فقدان القدرة الشرائية”.

ويضيف برّو: “نحن في حالة انهيار، والانهيار اليوم يطال القطاعات بكل استثناء”، مضيفًا: “اليوم لدينا حلّان، إمّا الفوضى، أو الاستفادة من تجارب الشعوب للخروج من هذه الأزمة”.

mtv

مقالات ذات صلة