انطلاق مفاوضات الترسيم: نقاط قوّة لدى وفد لبنان.. أبرزها ترسيم الجيش اللبناني
الرابع عشر من تشرين الأول 2020، تاريخ مفصلي بالنسبة إلى لبنان، مع انطلاق الجولة الإفتتاحية من التفاوض حول ترسيم الحدود البحرية مع الأراضي الفلسطينية المتحتلة. حاجة اسرائيل إلى الترسيم توازي حاجة لبنان لا بل تتعدّاها، وهي التي سبقتنا بالتنقيب والإنتاج وإبرام عقود التصدير، وباتت بحاجة إلى التنقيب الآمن خصوصًا في الحقول المتاخمة للمنطقة المتنازع عليها.
مهمّة الوفد اللبناني لن تكون سهلة، خصوصًا وأنّه يفاوض عدّوا طامعًا بثروتنا النفطيّة الموعودة، يسانده الوسيط الأميركي المتحيّز لإسرائيل. رغم ذلك يمتلك لبنان العديد من نقاط القوّة، أبرزها خط الترسيم الذي أنجزه الجيش اللبناني عام 2012 مستندًا إلى قوانين البحار والمعايير الدولية، هذا الخط ينطلق من رأس الناقورة ويمنح لبنان 1350 كيلومتراً مربّعاً من مياهه، وربما 1700 كيلومتر مربّع. من هنا أهمية وجود شخصيتين عسكريتين في عداد الوفد، ومنهم العقيد الركن البحري مازن بصبوص الذي أنجز دراسة الخط آنذاك.
توقيت انطلاق المفاوضات لا يرتبط فقط بلبنان وإسرائيل، بل بالحاجة الدولية لنفط الشرق الاوسط وفق مقاربة الخبير الإسترتيجي العميد المتقاعد ناجي ملاعب “فالغاز المكتشف على سواحل البحر المتوسط أصبح حاجة لأوروبا والولايات المتحدة، كي لا تُرهن أوروبا للغاز الروسي”.
أمام الوفد اللبناني مهمّتان مزدوجتان، تصويب الخطأ الذي ارتكبه المفاوض اللبناني أثناء توقيعه الإتفاقية مع قبرص، وتثبيت حقّ لبنان بكامل حقوقه في الثروة الموعودة في أعماق مياهه الإقليمية. ملاعب وفي حديث لـ “لبنان 24” أوضح العقبة الكبرى في وجه المفاوض اللبناني والخطيئة التي ارتكبها لبنان مع قبرص “فالحقوق اللبنانية لا تقتصر على 860 كيلومتراً مربعاً. والثغرة مع قبرص تنطلق من أنّ المياه الإقتصادية الخالصة هي 200 كلم، بمعنى أنّ كلّ دولة لها حق الإستثمار ضمن 200 كلم أمام شواطئها، دون أن يكون لها حق الولاية القضائية. بين لبنان وقبرص لا تبلغ المسافة 400 كلم، بل أقل من ذلك، من هنا يجب أن يكون الترسيم بين الدولتين بالتوازي، وكون مساحة حدود لبنان أكبر من حدود قبرص، تكون حصّته أكبر بطبيعة الحال، أي 200 كلم للبنان مقابل 70 كلم لقبرص، وهو الأمر الذي لم يؤخذ بالإعتبار عند توقيع الإتفاقية، بحيث وقّع من قبل لبنان الخبير البترولي حسان شعبان، بينما وقّع من قبل قبرص مدير الموارد الهيدروكربونية”.
هذه الثغرة يمكن تصويبها خصوصًا أنّ لبنان تنبّه لها، ولم يُصدّق الإتفاق مع قبرص من قبل مجلسي الوزراء والنواب كما لم ينشر في الجريدة الرسمية، وبالتالي لبنان غير ملزم به. هذا الخطأ يوضح ملاعب “إكتشفته مجموعة في الجيش اللبناني من القوات البحرية ومنهم العقيد بصبوص”.
لطالما سمعنا أنّ البقعة التي تحاول اسرائيل قرصنتها تبلغ 860 كيلومترًا مربّعًا، في حينه اقترح الوسيط الأميركي فريدريك هوف عام 2012 منح لبنان 60 % من المساحة المتنازع عليها واسرائيل 40%، الأمر الذي رفضه لبنان، لأنّ الأميركي منح اسرائيل حقوقًا لبنانية. اليوم بالتزامن مع التفاوض تبيّن أنّ هذه البقعة تتخطى 860 كيلومترً مربعًا وتبلغ 1350 كيلومتراً مربعاً وأكثر. فما حقيقة الأمر؟
يجيب ملاعب ” في حدودنا في الناقورة تحتلّ اسرائيل مساحة 35 مترًا، وقدّ تمكّن وفد لبناني من مجموعة ضباط من دخول هذه المنطقة بضغط من الأمم المتحدة، وعمل الوفد على تحديد هذه النقطة ضمن الترسيم الوارد في اتفاقية الهدنة. وبالتالي لبنان بموجب احتلال هذه البقعة خسر 35 مترًا على طول الخط إلى حيث قبرص، لم تُحتسب في خط هوف، والمساحة التي خسرها لبنان بعدم احتساب هذا الخط تبلغ 1700 كيلومتر مربّع، الأمر الذي صوّبه الجيش اللبناني عندما أنجز ترسيم المنطقة الإقتصادية الخالصة، وقد وافق عليها المجلس النيابي وتبنّتها وزارة الخارجية اللبنانية، وأرسلتها إلى الأمم المتحدة، كما اعترضت على الإتفاقية مع قبرص”.
يضيف ملاعب أنّ اسرائيل اعتمدت في ادعاءاتها على مجموعة صخور، افترضت أنّها جزيرة واحتسبت الحدود من خلالها، خلافًا لقوانين تصنيف الجزر، فقانون البحار لا يعترف بمجموعة صخور على أنّها جزيرة. من هنا يعتبر ملاعب أن موقع لبنان في التفاوض قويّ “إذا تمكنّ الوفد اللبناني من الترسيم من النقطة الأساسية من ضمنها المساحة المحتّلة، عندها تقدّر المساحة للبنان بـ 1700 كيلومتر مربع، وفي أسوأ الأحوال تكون المساحة للبنان 865 كيلومترًا مربّعًا”.
ملاعب أشاد بالوفد خصوصًا وأنه ضمّ العقيد بصبوص الذي رسم حدود المنطقة الإقتصادية البحرية الخالصة، مشدّدا على وجوب أن تكون هناك مرجعية للوفد اللبناني، مؤلّفة من كلّ الخبراء الذين عملوا على ترسيم الخط اللبناني، ووضعوا الدراسات، والذين فاوضوا سابقًا، كي يعود الوفد لمرجعيته عند كلّ خطوة.
تقنيًا لبنان بموقع القوي على طاولة التفاوض، وفده العارف الخبير يدرك جيدًا أهمية المعايير الدولية وقانون البحار المستند إليها، كما يدرك أنّ إنجاز الترسيم حاجة اسرائيلية قبل أن تكون لبنانية، ولكن هذا لا يلغي أنّ المفاوضات تنطلق في ظلّ أزمة سياسية داخلية ومالية اقتصادية غير مسبوقة.
lebanon 24