شروط أميركا على حالها وموقف السعودية لم يتغير: الحريري ينسج تفاهماً على إيقاع مفاوضات الحدود!
كتب منير الربيع في “المدن”: قبل أربع سنوات تماماً، كان لبنان يضج بالتسوية الرئاسية التي تقضي بانتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية. وانتُخب عون قبل أسبوع من انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية.
الحريري والتكرار
واستعجل اللبنانيون التسوية قبل الانتخابات النيابية، فيما كانت أصوات داخلية وخارجية تدعو إلى تأجيل التسوية إلى ما بعد الانتخابات، ريثما يتغيّر شيء ما. وكانت التسوية آخر نتاجات الاتفاق الأميركي – الإيراني في عهد باراك أوباما.
واليوم يتكرر التحرك إياه، فيعاد إنتاج التسوية الرئاسية بشكل مختلف. ولكن بالفحوى نفسها. وقد تبرّع الحريري للعب الدور نفسه، علماً أنه يتوقع نتائج مغايرة.
من غير المعروف اليوم بعد إذا ما كان تشكيل الحكومة الحريرية سينجح. وإذا ما كان النجاح يتحقق قبل الانتخابات الأميركية. هناك إشارات كثيرة توحي بأن الحريري لم يقدم على تحركه من فراغ، بل من رهانه على دعم خارجي أصبح متوفراً.
في المقابل، هناك وجهة نظر مضادة تنفي ذلك إطلاقاً. والتخبط هذا يشبه ما كان سائداً عندما أعلن الحريري ترشيحه عون للرئاسة. ولم يعرف أحد آنذاك ما إذا كانت التسوية قد حظيت بموافقة سعودية. لكن كانت هناك عبارة لافتة للرئيس نبيه برّي، تعليقاً منه على زيارة الوزير السابق وائل أبو فاعور إلى السعودية. قال برّي عن أبو فاعور: “راح مختار ورجع محتار”، مشيراً إلى عدم حصوله على جواب سعودي واضح. لكن الاعتراض السعودي على ما قام به الحريري، ظهر في ما بعد.
اليوم يعود الإيحاء بالموافقة الأميركية والسعودية على مبادرة الحريري، في مقابل وجهة مضادة تؤكد أن لا السعوديين ولا الأميركيين غيروا مواقفهم كرمى لعيون الحريري، أو لأنه قرر أن يكون رئيساً للحكومة.
فالشروط الأميركية على حالها. والموقف السعودي لم يتغير. قد يحظى الحريري بالتكليف، في مقابل تأخير التأليف إلى ما بعد الانتخابات الأميركية. فإذا فاز ترامب مجدداً، تظل الشروط على حالها. ومن غير المعروف ما إذا كان الحريري سيعبر بحكومته. أما إذا فاز بايدن، فقد تتشكل الحكومة سريعاً.
اختلاط الخارجي والداخلي
المتغير الجديد حالياً هو مفاوضات ترسيم الحدود، والتي يعتبر البعض أنها غيرت موقف الأميركيين. وهؤلاء يستندون إلى قول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: حزب الله يمسك بمفاصل الدولة اللبنانية، ولم يعد هناك دولة اسمها لبنان، فيما تخوض إسرائيل مفاوضات مع هذه الدولة. ووفق منطق نتنياهو، تحصل المفاوضات مع حزب الله فعلياً.
هذه النظرة تدفع إلى الاعتقاد بتسهيل ولادة الحكومة، وغض النظر عن تفاصيل وشروط أميركية كثيرة، منها رفض مشاركة حزب الله في الحكومة. وهذا يعني أن الأميركيين لن يفشّلوا ولادة الحكومة، كي لا تفشل مفاوضات الناقورة.
يبقى السؤال حول الموقف السعودي. هناك من يعتبر أن موافقة المملكة العربية السعودية على المبادرة الفرنسية وإنجاحها، سببهما تلافيها المزيد من الخسائر في لبنان. وهذه قناعة راسخة لدى الحريري، تؤكد مرونة الموقف السعودي، وتضع المملكة تحت الأمر الواقع. فهي لا تريد البقاء خارج المعادلة اللبنانية، خوفاً من أن يملأ التدخل التركي فراغ غيابها عن لبنان.
حصلت ديناميكية جديدة في السياسة اللبنانية، تقوم على “تفاهم سنّي – شيعي”، يؤسس للمزيد من الضعف لدى القوى الأخرى. وتجلى ذلك في سحب “سفير” العهد (هادي هاشم) عن طاولة مفاوضات ترسيم الحدود.
في المقابل هناك صرخة جنبلاط الاعتراضية، وتهميش دور سمير جعجع. وعلى الرغم من الصرخة الجنبلاطية والتي عرّت مفاوضات تشكيل الحكومة، واصفاً (جنبلاط) إياها بصفقة جديدة بين الحريري وباسيل، ورافضاً تصرف الحريري الأحادي مجدداً. وهذا إلى جانب وصفه الحكومة بأنها حكومة سياسية، وليست من الاختصاصيين المستقلين.
لكن جنبلاط أبقى بابه مفتوحاً أمام احتمال إصلاح ذات البين، بناء على مبادرة من الحريري لزيارته والتشاور معه، وترتيب الاتفاق.
المصدر: المدن